الوضع التاريخي والسياسي للجزر الثلاث قبل قيام الإمـارات

ضع إعلان أدسنس هنا يوصى بـ 368×280
دراسة قانونية وثائقـية حول طـنب الكـبرى وطنب الصغرى وأبو موسىالوضع التاريخي والسياسي للجزر الثلاث قبل قيام الإمـارات«ليس من المعقول أن تدخل بريطانيا في حرب مع إيران قبل انسحابها من الخليج بيوم واحد».بهذه الكلمات المختصرة، برَّر المعتمد البريطاني في الخليج (جيفري آرثر) لأحد الصحافيين، سبب تخلّي بلاده عن الجزر العربية الثلاث لشاه إيران محمد رضا بهلوي، رغم أن معاهدات الحماية مع (إمارات الساحل المتصالح) لم تنتهِ بعد.. فما هي قصة هذه الجزر، وكيف كان احتلالها؟تمهيد: الجزر العربية الثلاث، أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، لم تكن في منأى عن الصراع الأزلي على الخليج العربي، وإنما ظلت مطمعاً للعديد من القوى الدولية والإقليمية التي تنافست على الاستئثار بهذا المسطح المائي منذ القرون الغابرة.وفي إطار حرصنا على عدم إغراق هذه الدراسة بأحداث المنطقة التي ضاقت بها الأسفار بينما الكثير منها لايزال يدق عن إدراك الباحـثين عبر قـرون خلت، فسنكتفي بتناول ما يرتبط منها - بصورة مباشرة أو غير مباشرة - بتاريخ الجزر الثلاث، استجلاءً لغموضها، وتبياناً لحقائقها، بما يقود إلى معرفة مكامن الأسباب التي أدت إلى ظهور النزاع على هذه الجزر.وقد آثرنا جعل البداية التاريخية للبحث في موضوع الجزر سالفة الذكر، إطلالة سريعة على الحقبة التي شهدت سقوط دولة اليعاربة في عمان، وبزوغ نجم قبيلة القواسم في رأس الخيمة والشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة حالياً، باعتبارهما آخر القوى العربية التي هيمنت على معظم أجزاء الخليج العربي وجزره، بما فيها الجزر الثلاث حتى وصول الاستعمار الأوروبي الحديث وعلى رأسه بريطانيا العظمى.وبناءً عليه فإننا سنتناول الصراع الإقليمي والدولي على منطقة الخليج العربي والأحداث السياسية التي رافقت ظهور دولة القواسم، باعتبارها القوة التي اكتسبت لاحقاً حقوق السيادة على الجزر الثلاث، مستعرضين مراحل مقاومتها للنفوذ البريطاني في الخليج ونتائجه، ثم صراعها مع الفرس وبداية مطالبتهم بالجزر الثلاث، ودوافع وذرائع احتلالها من قبل شاه إيران محمد رضا بهلوي في عام 1971 .كما سنعرّج، على الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية للجزر، ومدى إسهامها في إذكاء الأطماع الإقليمية والدولية للسيـطرة على هذه الجزر.الصراع على الخليج العربيمثَّل سقوط دولة (اليعاربة) في عُمان عام 1741م، حدثاً سياسياً كبيراً غَيَّر منطقة الخليج برمتها، نظراً لانبعاث قوى إقليمية عربية عديدة على أنقاض هذه الدولة المنهارة، وقيامها بلعب دور بارز في إعادة صياغة تاريخ هذه المنطقة وتحديد مصيرها.وتتمثل هذه القوى في آل بوسعيد الذين آلت إلى سلطتهم أراضي عُمان منذ ذلك الوقت وحتى الآن، وحلف بني ياس الذي ضم - مع قبائل أخرى - أهم قبيلتين هما، آل بوفلاح (آل نهيان)، وآل بوفلاسة (آل مكتوم)، والذي هيمن على أجزاء واسعة من المناطق البرية التي يقع قسم كبير منها ضمن النطاق الجغرافي لدولة الإمارات العربية المتحدة حالياً؛ وكذلك حلف القواسم الذي برز كقوة بحرية كبرى دانت لها أجزاء واسعة من الخليج العربي بضفتيه الشرقية والغربية وبعض المناطق الواقعة على خليج عمانظهور دولة القواسمبالرغم من النتائج المأساوية التي ترتّبت على تقسيم الإمبراطورية العمانية وتقزّمها في نهاية المطاف إلى الحدود الجغرافية التي تشكل سلطنة عمان حالياً، إلا أنه إبّان سقوط دولة اليعاربة ونشوء دولة آل بوسعيد، كانت قد ظهرت قوة محلية طموحة ممثلة بقبيلة القواسم ومن تحالف معها من القبائل العربية الأخرى. حيث تمكن القواسم من توظيف الأحداث والتداعيات التي كانت تمر بها المنطقة لصالحهم، واستطاعوا تأسيس إمارة خاصة بهم في جلفار (رأس الخيمة) والساحل الشمالي من عمان تحت زعامة أول أمرائها كايد بن عدوان القاسمي.ولم تمضِ سنوات معدودة إلاّ وهم يبسطون سيادتهم، بفضل أسطولهم البحري الكبير الذي وصل تعداده إلى أكثر من 800 سفينة حربية، على منطقة جغرافية واسعة من الساحل الغربي للخليج العربي، تمتد من (رأس مسندم) على مضيق هرمز، وحتى السواحل القريبة من إمارة دبيوقد ضمت هذه القوة العربية إلى ممتلكاتها عدداً من جزر الخليج العربي، كجزر قشم، وصري، وهنجام، وطنب الكبرى والصغرى، وأبو موسى، كما هيمنوا على شريط ساحلي واسع في خليج عمان، وتمكنوا من الوصول إلى البر الفارسي واحتلوا ميناء (باسيدو) في عام .1727ورغم تمكن الفرس من إزاحتهم عن المنطقة عام 1737م، إلا أن الظروف التي نتجت عن الغزو الأفغاني لبلاد فارس ووفاة ملكها (نادر شاه) عام 1747 الذي كان يناصب القواسم العداء، شكلت مناخاً سياسياً أحسن القواسم استثماره عندما تمكنوا من العبور إلى البر الفارسي مرة أخرى في عام 1750 لمساعدة حاكم ميناء بندر عباس وهرمز الذي كان في حالة صراع مع الشاه، واستطاعوا في ما بعد تأسيس إمارة (لنجة) في الساحل الشرقي من الخليج العربي، والتي شملت عدداً من الموانئ والجزر المهمة، مثل بندر كنج، وبستانة، وشناص، ومغوه، وهنجام، وصرّي.صراع بريطانيا والقواسمراحت بريطانيا (العظمى) مع إطلالة القرن الثامن عشر الميلادي ترنو إلى منطقة الخليج بغية السيطرة عليها لتأمين وجودها الاستعماري في الهند (درة التاج البريطاني)، وذلك بعد تأسيسها شركة الهند الشرقية (البريطانية) في عام .1600ولذلك فقد كانت تراقب هذه القوة العربية المنيعة التي أضحت تشكل خطراً على مصالحها في فارس والعراق، وأخذت تتربص بها الدوائر وتحوك ضدها المؤامرات بهدف تحجيم قوتها وتقليص نفوذها، فكان أن بدأ التصادم البحري بين الطرفين وكانت المعارك سجالاً بينهما، إذ تمكن القواسم خلالها من هزيمة القوات البريطانية في منازلات بحرية عديدة فضلاً عن أسر ومصادرة الكثير من سفنها الحربية، إلا أن بريطانيا قررت في نهاية المطاف حسم الأمر عندما حشدت أكبر قوة عسكرية خارج حدود مستعمراتها بهدف إخضاع دولة القواسم وضرب مرتكزاتها البنيوية؛ وهو ما عبر عنه حاكم بومباي في رسالته إلى الحاكم البريطاني العام بقوله: «على الرغم من كل جهودنا فإننا عجزنا عن تحطيم القواسم، ولم يبقَ أمامنا إلاّ إعداد حملة عسكرية قوية لتحطيم أساس قوتهم».ومع بداية شهر يناير من عام 1819م بدأ الهجوم العنيف للقوات البريطانية على رأس الخيمة والموانئ والحصون العربية تحت شعار محاربة القرصنة في الخليج وتأمينه من خطر القواسم، والقبائل المتحالفة معهم، وهي ذريعة أشبه بالخرافة، ابتدعتها بريطانيا ورددها بعض الباحثين والكتاب الغربيين توطئة لترسيخ الوجود البريطاني وتسويغ احتلال المنطقة.وبعد معركة استمرت أياماً عدة، وفي ظل اختلال ميزان القوى لصالح بريطانيا كدولة بحرية كبرى، انهارت قوة القواسم وسقطت رأس الخيمة وبقية المدن الأخرى التي كانت تحت سيطرتهم. وبذلك حققت بريطانيا حلمها بتدمير القوة الهجومية للقواسم، وإفشال قيام كيان عربي كبير وموحّد على ضفاف الخليج، بل وتجزئته إلى دويلات صغيرة تدور في فلكها من خلال معاهدة الصلح أو ما سُمي بالاتفاقية العامة التي أملتها على القواسم وشيوخ الإمارات الأخرى في شهر مارس من عام .1820توطيد نفوذأما فارس فبعد فراغها من خوض حروب داخلية وخارجية عدة لتوطيد نفوذها في المنطقة، تحولت نحو حدودها الجنوبية للانتقام من عدوها اللدود المتمثل بالعرب القواسم الذين لم تفلح كل مخططاتها وحملاتها السابقة في إزاحتهم عن مدن وموانئ الساحل الشرقي للخليج العربي.فكان أن تمكن الشاه (ناصر الدين القاجاري) من تحقيق ما عجز عنه أسلافه عندما قامت قواته باجتياح إمارة (لنجة) القاسمية على الساحل الشرقي للخليج عام 1887 واقتياد أميرها العربي الشيخ قضيب بن راشد القاسمي مخفوراً إلى طهران، ولم يُعرف مصيره بعد ذلك، باستثناء ما أشاعت فارس حينها أنه توفي في السجن.إلا أن القواسم لم يخضعوا للتوسع الفارسي على حساب ممتلكاتهم في (لنجة)، إذْ قام أحد أمرائهم ويدعى محمد بن خليفة القاسمي، بحشد القبائل العربية والفارسية لمناصرته في استعادة العرش القاسمي هناك؛ وفي عام 1898 تمكن من تدمير الحامية الفارسية في الإمارة، وإجبار حاكمها على الاستسلام. غير أن قوات الشاه أعادت تجميع صفوفها وقامت بهجوم كبير ضم آلاف المقاتلين، بينما كانت قوات القواسم تعاني من نقص في العدد والعتاد، جراء الرقابة الشديدة المفروضة على تحركاتها من قبل القوات البريطانية، المرابطة في الخليج العربي، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى استيلاء الجيش الفارسي على قلعة المدينة وإزالة الحكم العربي عن منطقة (لنجة) بصورة نهائية في عام1899 .ولمّا كانت فارس آنذاك تعي أهمية موقعها الاستراتيجي ودورها الكبير كلاعب سياسي مهم في حلبة الصراع الدولي بين القوى الاستعمارية على منطقة الخليج، فقد زادت من حدة توجهاتها التوسعية في المنطقة، وخصوصاً باتجاه جزر الخليج العربي التي كانت ضمن سيادة القواسم. إذ أقدمت في أواخر عام 1887 على احتلال جزيرة ( صرَّي ) بذريعة أنها كانت ضمن أملاك قواسم (لنجة) الذين ادَّعت تحولهم إلى موظفين يعملون لصالحها؛ إلاّ أن بريطانيا قبلت ضمناً بواقع الاحتلال، دون أن تسحب رفضها له بصورة نهائية، ليتسنى لها استخدامه ورقةً للضغط على الحكومة الفارسية، وفقاً لمحددات علاقاتها معها في المستقبل.أما بالنسبة لجزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى التابعة لقواسم الساحل الغربي العربي من الخليج (الشارقة ورأس الخيمة)، فتشير بعض المراجع التاريخية والوثائقية المتصلة بالنزاع، إلى أن أول ادعاء فارسي بالسيادة عليها كان بعد اجتياح قوات الشاه (ناصر الدين القاجاري) إمارة (لنجة) عام 1887م؛ ثم توالت المطالب الفارسية بها خلال الأعوام 1904 و1923 و1926 و.1928وقد كانت مطالب الحكومات الفارسية المتعاقبة بضم هذه الجزر، تتطور بتطور أسلوب تعاطيها السياسي حيالها، إذ بدأت بمطالب كلامية، ثم انتقلت إلى مرحلة فرض الأمر الواقع على الأرض. وهو ما تحقق عندما أقدمت دائرة الجمارك البلجيكية العاملة في جنوب فارس عام 1904 على رفع العلم الفارسي على جزيرتي طنب الكبرى وأبو موسى، إلاّ أن معارضة بريطانيا الشديدة لتصرف الحكومة الفارسية أدى إلى تراجعها وتأجيل عملية الاحتلال ولو إلى حين.وهذا ما يُفسّر قيام سلطة الجمارك الفارسية بعد سنوات عدة وتحديداً في عام 1925 بإرسال بعثة جيولوجية إلى جزيرة أبو موسى لأخذ كمية من أكسيد الحديد الأحمر (المغر) الناشئ عن تحلل خام الحديد الذي يتوافر فيها بكثرة؛ وهو ما دفع الحكومة البريطانية إلى الاحتجاج - أيضاً - على هذا التصرف ورفض الاعتراف بأية إجراءات فارسية تتعلق بالسيادة على هذه الجزيرة.إلا أن فشل إيران في فرض سياسة الأمر الواقع على الجزر الثلاث دفعها لانتهاج مسلك مغاير لسلوكها السابق، قوامه استمالة الحكومة البريطانية للتوسط عند حاكم رأس الخيمة للموافقة على بيع أو استئجار جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى، وذلك ما أبانه اقتراح تقدم به وزير البلاط الفارسي (عبدالحسين تيمور تاش) في عام 1930 لاستئجار جزيرتي طنب لمدة 50 عاماً.وعلى الرغم من رفض حاكم رأس الخيمة هذا العرض في بداية الأمر، إلا أن الضغوط البريطانية الكبيرة التي مورست عليه دفعته لقبوله ولكن بشروط كانت من الشدة في مسألة تأكيد سيادته على الجزيرتين بحيث ترتب عليها إيقاف مفاوضات التأجير.كما أثارت إيران موضوع الجزر من جديد بعد الحرب العالمية الثانية وتحديداً في عام 1948 حينما كررت المطالبة بها على لسان سفيرها في لندن تحت ذريعة انطلاق عمليات التهريب من هذه الجزر باتجاه سواحلها مما يشكل ضرراً للاقتصاد الإيراني وهو ما يقتضي - في رأيها - السيطرة عليها لمنع تلك العمليات.أما بريطانيا فقد أثار استمرار وجودها العسكري في الخليج لغطاً كبيراً داخل صفوف حزب العمال البريطاني الحاكم، نظراً للأموال الطائلة التي كانت تتكلفها الدولة لتغطية نفقاته، فضلاً عن تأثر شعوب منطقة الخليج وجنوب الجزيرة بحركة المد القومي العربي الرافضة للوجود الاستعماري بكل أشكاله، الأمر الذي دفع بأغلبية النواب داخل مجلس العموم البريطاني إلى التصويت لصالح الانسحاب من المنطقة؛ وهو ما تمخض عنه صدور بيان سياسي عام 1967م عبَّرت فيه بريطانيا عن نيتها الانسحاب من منطقة شرق السويس وإنهاء الاتفاقيات التعاهدية التي عقدتها مع دول المنطقة.إلا أن بريطانيا لم تكن لترحل عن هذه المنطقة الحيوية من العالم دون زرع حليف قوي يضمن استمرار تدفق النفط إليها وحلفائها، ويحافظ على إرثها من المصالح السياسية والاقتصادية بطريقة تضمن حضورها الدائم والفاعل حتى وهي على بعد آلاف الأميال. ولهذا فقد وجدت في شاه إيران محمد رضا بهلوي، الذي كان قد خلع رداء الإسلام عن الدولة الإيرانية وألبسها عباءة الغرب الرأسمالي، حليفاً استراتيجياً قادراً على حماية مصالحها، ومصالح حلفائها في المنطقة.ولذلك فقد نُفذت خطة إخراج الجزر الثلاث من السيادة العربية القاسمية، بقيام إيران في ليلة الثلاثين من شهر نوفمبر من عام 1971م بإنزال آلاف عدة من قواتها البرمائية تدعمها الطائرات، والحوامات، والبوارج البحرية، لاحتلال جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى بعد أن اشتبكت، في معركة غير متكافئة، مع حاميتها الصغيرة من شرطة رأس الخيمة في جزيرة طنب الكبرى، والتي أسفرت عن مصرع ضابط إيراني كبير وجنديين آخرين، بالإضافة إلى 20 جريحاً، واستشهاد جنديين وجرح وأسر خمسة من أفراد الحامية العرب.طنب الكبرى وطنب الصغرىجزيرتان صغيرتان تتبعان إمارة رأس الخيمة بدولة الإمارات العربية المتحدة، انتظمتا تحت سلطة القواسم منذ ما يربو عن قرنين ونصف القرن من الزمان وحتى تاريخ احتلالهما من قبل إيران في 30 نوفمبر .1971 تقع جزيرة طنب الكبرى على بعد نحو 75 كيلومتراً من سواحل رأس الخيمة، بينما تبعد ما يقرب من 50 كيلومتراً عن الساحل الإيراني؛ وهي جزيرة شبه دائرية يبلغ قطرها نحو 3.5 كيلومترات، ومساحتها الإجمالية تبلغ نحو 11 كيلومتراً مربعاً، وتتوافر فيها بعض المراعي والمياه العذبة؛ وكان يقطنها قبل احتلالها نحو 700 نسمة من العرب المنتمين للقبائل المقيمة على الساحل الغربي العربي من الخليج؛ وفيها مدرستان، ومركز للشرطة، وفنار لإرشاد السفن؛ كما أنها غنية بالمعادن وخصوصاً النفط وأكسيد الحديد الأحمر (المغر). اأما جزيرة طنب الصغرى فتقع إلى الشمال الشرقي من جزيرة طنب الكبرى بمسافة تقرب من 13 كيلومتراً، وتبعد عن سواحل رأس الخيمة نحو 92 كيلومتراً، بينما تبعد عن ميناء (لنجة) على الساحل الإيراني مسافة تقرب من 50 كيلومتراً، ومساحتها الإجمالية تقرب من كيلومترين؛ وهي مثلثة الشكل تقريباً، وتتكون من تلال داكنة اللون، كما أنها خالية من السكان لعدم توافر المياه العذبة فيها.لقد كان الموقع الاستراتيجي المتميز لهاتين الجزيرتين على ممر الملاحة الدولية في الخليج العربي، وقربهما من مضيق هرمز، سبباً في جعلهما محط أنظار القوى العالمية الكبرى، القديمة منها والحديثة. إذ كانتا - في الماضي - مطمعاً للفاتحين والمستعمرين من اليونان والرومان والبرتغاليين والهولنديين والإنجليز والفرس، ومقصداً للسفن العابرة بين المحيط الهندي والخليج العربي كموانئ للاستراحة، وملاجئ لحماية السفن من العواصف البحرية والحالات الطارئة الأخرى، فضلاً عن استغلالهما كمراكز للفنارات المخصصة لإرشاد السفن.أما في الوقت الحالي فقد تزايدت أهمية موقعهما الاستراتيجي، خصوصاً بعد تحوّل الخليج العربي إلى أكبر مخزون نفطي في العالم، واكتساب مضيق هرمز أهمية حيوية جعلته من أهم المضائق العالمية، باعتباره المنفذ الوحيد الذي يمر من خلاله أكثر من 85% من صادرات نفط الشرق الأوسط. ولهذا فالجزيرتان تتميزان بموقع بالغ الخطورة، بل إن موقعهما الاستراتيجي يكاد يضاهي في أهميته جزيرتي (قشم) و(هرمز) الّلتين مكنتا إيران - بحكم موقعهما - من السيطرة على مضيق هرمز، والتهديد بإغلاقه في وجه الملاحة الدولية غير مرة، خصوصاً إبّان حرب الخليج الأولى بينها وبين العراق.أبو موسىجزيرة تتبع إمارة الشارقة، وتعد جزءاً من الذاكرة التاريخية للشيوخ القواسم منذ القدم، حيث كانت مربعاً لهم في مواسم الصيف، يقصدونها للراحة والقنص، نظراً لوجود الكثير من الحيوانات البرية على أرضها، فضلاً عن المياه العذبة التي خلقت مناخاً ملائماً لانتشار المئات من أشجار النخيل على امتداد مساحات واسعة من مناطقها ذات التربة الخصبة، وكذا زراعة مساحات أخرى منها بالشعير والحبوب. أما من الناحية الجغرافية، فهي جزيرة مستطيلة الشكل، يبلغ طولها نحو سبعة كيلومترات، وعرضها يقرب من خمسة كيلومترات، ومساحتها الإجمالية تقدر بنحو 20 كيلومتراً مربعاً؛ وتبعد عن سواحل دولة الإمارات مسافة تقرب من 60 كيلومتراً، وعن مضيق هرمز نحو 94 كيلومتراً؛ أما عن الساحل الإيراني فتبعد مسافة تقدر بنحو 72 كيلومتراً.وتنتشر على سطح هذه الجزيرة مجموعة من التلال، منها جبل الحديد، وجبل محـرومة، وتل العماميل، وجبل آخـر يسميه أهالي الجزيرة جبل (الدعالي) أي القنافذ. وتقع أعلى مناطق الجزيرة في منتصفها، بارتفاع يصل إلى (60 ) قدماً؛ أما عمق المياه الساحلية فيها فيبلغ نحو 75 قدماً. وقد بلغ عدد سكانها، قبل إقدام إيران على مضايقة المواطنين القاطنين فيها، وتهجير العمال والعائلات العربية الوافدة إليها إثر أحداث عام 1992، نحو 1000 نسمة، ينتمون جميعهم إلى قبائل عربية تقطن في إمارتي الشارقة ودبي.وفي ما يتعلق بأهميتها الاقتصادية، تعتبر هذه الجزيرة من أهم الجزر المنتشرة على امتداد مياه الخليج العربي، لما تتمتع به من ثروة نفطية ممثلة في حقل «مبارك» الذي يتكون مـن ثلاثة آبار تقوم باستغلالها شركة «بيوتس أويل أند جاز كومباني» الأميركية.كما توجد في مياهها الإقليمية ثروة سمكية وفيرة، فضلاً عمّا تزخر به أرضها من رواسب أكسيد الحديد الأحمر (المغر)، بالإضافة إلى توافر المعادن والأملاح الكيماوية والفحم الصخري.وقد شكل وجود هذه الثروات المهمة محركاً لصراع دولي للسيطرة على الجزيرة واحتكار خيراتها، إذْ سعت ألمانيا عام 1906 إلى إيجاد موطئ قدم فيها من خلال تمكين مؤسسة الهر (روبرت فونكهاوس) من إنشاء قاعدة ومستودع صغير للفحم على أرضها بعد أن قامت بإغراء مجموعة من المستثمرين العرب للتنازل عن حقوقهم في الامتياز الذي كان قد منح لهم من قبل حاكم الشارقة لاستخراج أكسيد الحديد، وهو الأمر الذي أثار قلق بريطانيا التي رأت في النشاط الاقتصادي الألماني بدايةً لمنافسة وجودها الاستعماري في الخليج، فعملت على تحويل هذا الامتياز لصالحها من خلال منحه لشركة بريطانية لمدة 40 عاماً. أما من الناحية الاستراتيجية لهذه الجزيرة، فبالإضافة إلى كونها تُطل من مكان غير بعيد على مضيق هرمز، إلاّ أنها تمثل أهمية استراتيجية كبيرة للإمارات وإيران معاً.أما بالنسبة لإيران فتبدو الأهمية الاستراتيجية للجزيرة الدافع الأكبر للاستحواذ عليها ومحاولة فرض حالة واقعية فيها عن طريق الاحتلال، ذلك لأن ترسيخ وجودها في هذه الجزيرة يعني تمكنها من إنشاء جسر ممتد من السواحل الإيرانية في الضفة الشرقية للخليج العربي إلى مسافة قريبة من سواحل دولة الإمارات على ضفته الغربية لا تتعدى عشرات الأميال، مما سيهيئ لها فرصة الاقتراب من أراضي الجزيرة العربية التي طالما حلمت بالإطلال عليها، بدلالة أطماعها - التي فشلت - في ضم جزر البحرين القريبة من المنطقة الشرقية للمملكة العربية السعودية.التسوية القانونية للنزاع الإماراتي - الإيرانيأهم ما يميز كتاب «التسوية القانونية للنزاع الإماراتي - الإيراني» على الجزر الثلاث، الذي هو في الأصل أطروحة ماجستير تبنّت جامعة الدول العربية نشرها في كتاب، في سابقة هي الاولى من نوعها، مستواه العلمي، اضافة الى كونه يلامس بعداً مهماً من أبعاد العلاقات العربية الإيرانية، والمتمثل بالنزاعات الحدودية. وفي الواقع تعتبر قضية الاحتلال الايراني للجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى، حائلاً دون تطوير العلاقات الخليجية - الايرانية خصوصاً، والعربية - الايرانية عموماً. إذ إن سياسة ايران تجاه منطقة الخليج هدفها التمدد الاقليمي خارج حدود الدولة. وهذا هو واقع الحال منذ أيام حكم الشاه حتى الآن، وان اختلفت الاساليب وتنوعت الأدوات.لهذا فإن اثارة اسئلة تتعلق بالاهمية الاستراتيجية للجزر الثلاث، ووضعها القانوني قبل قيام دولة الاتحاد وبعده، والأسانيد التي يعتد بها الطرفان الاماراتي والايراني للتأسيس لحقه في الجزر الثلاث. ورأي القضاء الدولي في تلك الاسانيد، باتت مسألة لا غنى عنها في مشوار البحث عن تسوية سلمية للنزاع بين الجانبين.يقع الكتاب في 469 صفحة، من القطع الكبير، ويضم خمسة فصول، الاول منها يتعرض للوضع التاريخي والسياسي للجزر قبل قيام دولة الامارات، ويناقش الدور الذي لعبه القواسم في صراعهم مع البريطانيين والفرس، اضافة الى الاهمية الاقتصادية والاستراتيجية للجزر. بينما يناقش الفصل الثاني الوضع القانوني للجزر بعد قيام الدولة، ويتعرض لموقف القانون الدولي من مذكرة التفاهم حول تقسيم جزيرة أبو موسى، والآثار المترتبة على احتلال الجزر الثلاث واهمية تسوية النزاع بالطرق القانونية.أما الفصل الثالث فيتعرض لأسانيد السيادة لكل من دولة الامارات وايران على الجزر الثلاث، ويشرح بالتفصيل أسانيد السيادة الاماراتية والحق التاريخي العربي في الخليج وجزره، ودعائم هذا الحق. كما يناقش الحق القانوني في الجزر وممارسة وظائف الدولة عليها. ويأتي على اسانيد السيادة الايرانية، ودعاوى الحق التاريخي الفارسي في الخليج وجزره.وفي الفصل الرابع يتعرض الكاتب لأسانيد طرفي النزاع في ميزان القضاء الدولي.اما الفصل الخامس والاخير فيتعرض بالتفصيل للنزاع على الجزر في ضوء المبادئ القانونية الحاكمة لتسوية المنازعات الحدودية والاقليمية، مع الاستشهاد بنماذج نزاعات حلت قانونياً كالنزاع على طابا بين مصر واسرائيل، وجزيرة حنيش بين اليمن وارتيريا. ونظراً لاهمية هذا الكتاب فقد وجدنا ان نقدم له عرضاً على خمس حلقات، اضافة لحلقة خاصة للوثائق التي تعرض للمرة الاولى ليس بهدف تثبيت حق ثابت، وانما تعميماً للفائدة
ضع إعلان أدسنس هنا يوصى بـ 368×280

0 التعليقات:

إرسال تعليق

مشاهدة افلام اون لاين