تمهيد
منذ سنوات والنزاع بين دولة الإمارات وإيران على الجزر الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى يشد الباحثين من مختلف أنحاء العالم لعدة أسباب : فمنهم من يرى فيه انعكاساً لتقلبات السياسة الدولية ، ومنهم من يعتقد أنه ترجمة لنزاع تاريخي بين العرب والإيرانيين . وهناك أيضاً من يرى أن موضوع الجزر ما هو إلا ردة فعل لعوامل السياسة الداخلية في كل من إيران والعالم العربي . لكن الواقع أن مسألة الجزر تسترعى الاهتمام لأنها من النزاعات الحدودية القليلة الموثقة توثيقاً جيداً . فكلا الدولتين : الإمارات العربية المتحدة وإيران تستند إلى مصادر رئيسية هي عبارة عن مخطوطات ورسائل وخرائط يعود بعضها إلى أكثر من مئة سنة مما يجعل دراسة الموضوع وكأنه رحلة عبر تاريخ منطقة الخليج يكتشف المرء خلالها وقائع إقليمية ودولية كان لها تأثيرها في صنع تاريخ تلك المنطقة المهمة من العالم .
أهمية الدراسة
لا شك أن استمرار احتلال الجزر الثلاث من قبل إيران هو أهم البؤر التي تؤجج التوتر في المنطقة بين الحين والآخر ، وهذا هو بالتحديد ما دفعنا للقيام بدراسة موضوعية موثقة لهذه القضية الحساسة .وإذا كنا قد اخترنا هذا الوقت بالذات للكتابة عن موضوع الجزر الثلاث والتي احتلتها إيران في نوفمبر 1971م فذلك لأربعة اعتبارات هامة :1 - أن إيران وبكل المقاييس هي قوة عظمى في الخليج ولا يمكن الاستغناء عنها في أي إستراتيجية فعالة للمحافظة على الأمن والاستقرار بالمنطقة . ويبدو أن إيران - في الوقت الحاضر - تحاول إعادة النظر في الخريطة الأمنية لمنطقة الخليج .2 - أن الجغرافيا جعلت من التعاون بين إيران ودول الخليج العربية قدراً لا يمكن الإفلات منه بأي شكل من الأشكال . وقد ساهمت السياسة بنصيبها في هذا الاتجاه حين تمخضت الانتخابات الرئاسية الإيرانية في 23 مايو 1997م عن فوز الرئيس محمد خاتمي الذي اعتبر - في نظر معظم المحللين - بمثابة بداية مرحلة من تطور إيران من الثورة إلى الدولة . لقد أكدت الفترة الوجيزة من حكمه على صحة تصريحاته المبدئية من أن السياسة الخارجية لإيران ستركز على تحقيق الانفراج وإزالة التوتر في العلاقات مع الدول وخاصة دول الجوار العربية ... فإلى أين أدت هذه التوجهات ؟ هذا ما تثيره الدراسة في طرحها لأسلوب تعامل الحكم الجديد مع قضية الجزر الثلاث .3 - أن واقع الوجود العسكري الأمريكي بالمنطقة على إثر حرب الخليج الأخيرة قد فرض بحساسياته دوراً حتمياً لدول مجلس التعاون لتخفيف حدة التوتر في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية وإعادة فتح قنوات الاتصال بينهما ... وتقع قضية الجزر في صلب الموضوعات التي تقف عائقاً في سبيل هذا الانفراج في علاقة إيران بكل من الدول العربية والغربية معاً .4 - أن الموضوع برمته يحيط به الغموض ويحتاج إلى من يتصدى له بالتوضيح والشرح ... وقد آن الأوان لتقديم هذا التوضيح لقضية هي في الواقع شائكة ولها جذور من الماضي غير القريب .
مشكلة البحث
تسعى الباحثة إلى الإجابة عن مجموعة من الأسئلة الهامة التي أحاطت بالنزاع الإماراتي - الإيراني حول الجزر الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى) وهي : أولاً : ما هي الأهمية الجغرافية والاقتصادية والاستراتيجية للجزر الثلاث : أبوموسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى ؟ ويقدم الفصل الأول الإجابة على هذا السؤال المبدئي للمشكلة . ثانياً : ما هي أسباب النزاع حول الجزر الثلاث ؟ وما هي أبعاد المواقف المتباينة للأطراف ذات الصلة بالنزاع : دولة الإمارات العربية المتحدة ، جمهورية إيران الإسلامية ، المملكة المتحدة والدول ذات النفوذ بالمنطقة ؟ويجيب الفصل الثاني على هذا التساؤل الهام . ثالثاً : ما هي احتمالات الصراع والتسوية بين طرفي النزاع ؟ وما هي المخاطر التي يتمخض عنها إبقاء المشكلة بدون معالجة ؟ وقد تصدت الباحثة في الفصل الثالث بأسلوب تحليلي موضوعي للإجابة على هذا التساؤل الجوهري .
هدف الدراسة
إن هدف أي دراسة علمية هو محاولة الكشف عن الحقيقة ، والواقع أن قضية الجزر الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) هي موضوع - كما أسلفنا - يحيط به الغموض ويحتاج إلى توضيح وشرح كما أن الجدل الدائر بين مؤيدي الطرفان (الإمارات وإيران) قد تسبب في زيادة الغموض أكثر من توضيح أبعاد النزاع . لذا فقد هدفت الدراسة إلى تحقيق ما يلي : أولا : كشف حقيقة النزاع ، وتتبع أسبابه التاريخية استعانة بالوثائق الداعمة والمؤيدة . ثانيا : إلقاء الضوء على الدوافع الظاهرة والخفية التي أدت تفاعلاتها إلى خلق هذه المشكلة ، وتداعياتها منذ بدايتها حتى وقتنا الحاضر .
منهج الدراسة
تفرض طبيعة الموضوع السياسية حول السيادة على الجزر منهجاً للدراسة محايداً نستعين فيه بالوثائق والمحررات التي سمح بنشرها سواء من حكومات الدول المتنازعة أو الدولة المستعمرة (بريطانيا) ، ومن ناحية أخرى كان للتاريخ دوره في إضفاء طابع الدارسة المبني على عرض متسلسل للأحداث التي أدت الأزمة ... وكأن الاستقراء يتم في هذه الدارسة بعيون من سجلوا تاريخ المنطقة . أما الاستنباط فهو الركيزة الثانية للمنهج العلمي والذي استخدمته الباحثة للوصول إلى النتائج المنطقية دون تحيز أو إنحياز .
عناصر الدراسة
تتألف الدراسة من ثلاثة فصول كالآتي :
الفصل الأول : الجزر الثلاث ماهيتها وأهميتها : - جزيرة أبو موسى .- جزيرة طنب الكبرى .- جزيرة طنب الصغرى .
الفصل الثاني : تاريخ النزاع حول الجزر الثلاث : - جذور النزاع .- احتلال إيران للجزر ومذكرة التفاهم . - الموقف حول الجزر في الوقت الراهن .
الفصل الثالث : احتمالات الصراع والتسوية . - المبررات الإيرانية للسيطرة على الجزر . - المبررات الإماراتية في شأن ملكيتها للجزر الثلاث . - الوضع القانوني للجزر ومسألة التحكيم . - احتمالات الصراع والتسوية .
الفصل الأولالجزر الثلاث : ماهيتها وأهميتها
المقدمة : على الرغم من وقوع عدد من الموانئ الكبيرة والمدن التجارية على شواطئ الخليج العربي، إلا أن الجزر القائمة فيه وخاصة قبالة مدخله (جزيرتا طنب الكبرى وطنب الصغرى وجزيرة أبوموسي) تتمتع بميزات إستراتيجية مهمة مما جعل التركيز على احتوائها والسيطرة عليها هدفاً سعت إليه قوى عديدة في طليعتها إيران إضافة إلى القوى الغازية التي وفدت على المنطقة منذ العصور الماضية .
والجزر الثلاث بموقعها وأهميتها أشبه بالصمام الذي يشرف على الشريان المائي والملاحي الذي يمثله الخليج العربي المرتبط ببحر العرب والمحيط الهندي من جهة الشرق والبحر الأحمر من جهة الغرب .
وقد أثبتت الأحداث التي مرت بالمنطقة منذ السبعينات تزايد الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الخليج العربي ، وكذلك أظهرت هذه الأحداث حرص الدول الكبرى والدول الصناعية على وجه الخصوص بتوطيد علاقاتها بمنطقة الخليج العربي والعمل بكل السبل المتاحة للحفاظ على مصالحها فيها .
والخليج العربي بواقع الحال يمثل إلتقاءاً لطرق المواصلات البحرية لكل من آسيا وأفريقيا وأوروبا ، كما يمثل منطقة التقاء الطرق التجارية المختلفة بين هذه القارات . وتنبع الأهمية الكبرى للخليج وما يتضمنه من جزر من كونه يتحكم بتصدير النفط من مناطق إنتاجه في الدول المطلة عليه إلى الدول المستوردة في أوروبا وأمريكا واليابان . وتشير الإحصائيات إلى أن الولايات المتحدة تستورد من دول الخليج ما يزيد على 60% من احتياجاتها من النفط المستورد ، وتستورد اليابان80% وأوربا الغربية حوالي 50% من احتياجاتهما النفطية من الدول المطلة على الخليج العربي .
وفي دراسة لخبراء الاقتصاد والسياسة في مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية في جامعة جورج تاون الأمريكية أن 86% من صادرات نفط الشرق الأوسط تمر من مضيق هرمز بشواطئ الجزر الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى) ، وأن هذه النسبة تشكل نصف الطاقة التي تعتمد عليها صناعات العالم واقتصاده وحياته اليومية(1) .
ولقد انعكست الأهمية الاقتصادية للخليج العربي على أهميته الإستراتيجية والعسكرية مما حرك أساطيل الدول ذات المصالح البترولية والتجارية نحو الخليج في محاولات لإقامة قواعد عسكرية بالقرب من مدخله في المحيط الهندي وفي مواقع أخرى ذات صلة بالدول المطلة على الخليج العربي .
خصائص الجزر وأهميتها :قبل الدخول في تفاصيل حول أهمية كل من الجزر الثلاث يمكن إجمال المميزات التي تتيحها السيطرة على هذه الجزر وامتلاكها في النقاط الآتية : -1 - موقعها الإستراتيجي الممتاز في مدخل الخليج مما يجعلها تتحكم بحركة السير فيه ومن يسيطر على هذه الجزر يسيطر على مضيق هرمز ويسد منفذ الخليج للداخل والخارج . حيث
وصفت صحيفة لوموند الفرنسية هذه الجزر الثلاث بأنها : "جزر تتحكم في مدخل الخليج العربي"(2) .2 - قد تستعمل كمراكز للتجمع والوثوب على المناطق القريبة منها على الساحل العربي ، حيث تصلح لإقامة منشآت وقواعد عسكرية عليها .3 - تتوفر فيها المعادن وخاصة أكسيد الحديد الأحمر .4 - يتوفر فيها النفط .5 - تمر بهذه الجزر الممرات البحرية الصالحة للملاحة ولذلك يمكن أن تتحكم في التجارة والنقل .6 - قد تستخدم كموانئ لرسو السفن ومحطة للتزود بالوقود لأن المياه من حولها عميقة .7 - تتوفر بها المياه الصالحة للشرب مما يساعد على قيام الزراعة فيها ، كما يوجد بها بعض المراعي .8 - تقام عليها الفنارات لإرشاد السفن . 9 - يتوفر بالجزر مصائد أسماك ممتازة تحقق دخلاً طيباً للصيادين .
إن الجزر الثلاث لا تقل في أهميتها الإستراتيجية عن مدينة طنجة وجبل طارق في مدخل البحر الأبيض المتوسط ، وعن عدن في مدخل البحر الأحمر ، وإنها في هذه المكانة فقط تقف مشرفة على حركة المرور في الخليج وتتحكم فيها أيضاً . وسوف نستعرض أهمية الجزر الجغرافية والاقتصادية والاستراتيجية :
جزيرة أبوموسى : جزيرة صغيرة هادئة تقع عند مدخل الخليج العربي وتطل عليه تماماً كما يقف الحارس الأمين أمام خزائن الذهب الأسود .تبلغ مساحة الجزيرة نحو 35كم2 ، ويبلغ طولها حوالي 7كم وعرضها 5كم . وهي تبعد بمقدار 67كم عن الساحل الإيراني بينما لا يفصلها عن مدينة الشارقة سوى 43كم (أنظر الخريطة) . يتكون سطح الجزيرة من سهول رملية مغطاة بأعشاب وحشائش ترعى فيها الغزلان ، وتنتشر عليها التلال المنعزلة ، وأعلى منطقة تقع في منتصف الجزيرة ويبلغ ارتفاعها 110 أمتار وهي محاطة بمياه عميقة نسبياً مما يجعلها صالحة لرسو السفن .
توجد بالجزيرة عدة آبار للمياه العذبة حوالي (20بئر) ، وتنتشر فيها زراعة النخيل ، وهي مشهورة بصفة خاصة برواسب أو كسيد الحديد الأحمر المستعمل في صناعة الطلاء المانع للصدأ . وتقع مناجم أو كسيد الحديد الأحمر في الشمال الشرقي من الجزيرة ، وتمتلك شركة "صن فالي كولون كومباني أوف ويك" البريطانية المناجم وفق الامتياز الذي منحه إياها حاكم الشارقة . ومعروف أنه قد تم استغلال مناجم أو كسيد الحديد الأحمر لأول مرة في عام 1934م ، ثم أغلقت خلال سنوات الحرب العالمية الثانية من عام 1940م وحتى عام 1947م . وكانت الشركة تدفع 50 ألف روبية سنوياً لحاكم الشارقة مقابل حقوق التنقيب ، وكان إنتاج الأوكسيد الأحمر آنذاك حوالي 2500 طن في الموسم الجيد . وتعتبر نوعية الأوكسيد الأحمر المنتج من الجزيرة من الصنف النقي حيث لا يحتاج إلى تصفية كثيرة(3) . إلا أن أهمية الجزيرة بدأت في التزايد مع ظهور النفط بها ، حيث يوجد فيها ثلاثة آبار تقوم باستغلالها شركة "بتس" للنفط والتجارة (Butes Oil and Gas Co.) .
ولإيران بالجزيرة قاعدة عسكرية مجهزة بمروحيات وآليات عسكرية وزوارق سريعة أي ثكنة عسكرية متكاملة بالمعدات والأفراد ، كما أن لها مطارا ًومحطة لتوليد الكهرباء بطاقة 1.6 ميجاوات وبتكلفة قدرها 80 مليون دولار .
كان يقطن الجزيرة - حتى الاحتلال الإيراني لها في عام 1971م - حوالي 1000 نسمة تقريباً جميعهم من أصول عربية إلى جانب 60 عنصراً من العسكر الإيرانيين . ويذكر أحد الصحافيين الذين زاروا الجزيرة في أواخر عام 1979م أن الجزيرة كانت تنقسم فعلياً إلى مجتمعين : مجتمع عسكري إيراني ومجتمع مدني عربي وكان المسجد يضم الجميع من غير تمييز أو تفريق(4) .
ويشتغل بعض السكان المحليين في مناجم الحديد خلال أشهر الشتاء ، أما في موسم الصيف فيقومون بالصيد والملاحة ، ولكن أغلبهم يفضلون العمل في الصيد البحري لما يحققه هذا النشاط المنتج من دخل جيد حيث يبيعون ما يصيدونه إلى السفن العابرة للجزيرة ، كما يبيعون صيدهم في أسواق الشارقة ودبي ، وكانوا في مطلع الستينات يملكون حوالي 25 زورقاً للصيد انكمشت إلى عدد ضئيل جداً بعد عام 1992م بسبب الإجراءات الإيرانية التعسفية ضد سكان الجزيرة من العرب (أنظر الفصل الثاني من الدراسة) .
جزيرة طنب الكبرى : تقع هذه الجزيرة على بعد (31كم) جنوب غرب جزيرة قشم الإيرانية ، وتبعد عن إمارة رأس الخيمة حوالي (70كم) ، وكلمة طنب تعني في أصلها "التل" ، فهي جزيرة قليلة الارتفاع ، دائرية الشكل يبلغ طول قطرها 4كم ومساحتها حوالي 9كم2 .
وجزيرة طنب الكبرى تقع بعيداً نسبياً عن مدخل الخليج العربي كما أنها أقرب إلى الساحل الإيراني ، لذلك فهي تحتل مكانة هامة في الرؤية الاستراتيجية الإيرانية ، باعتبارها جزءاً من خط الدفاع الإيراني عند مدخل مضيق هرمز .
ونظراً لموقع الجزيرة على خط سير السفن الداخلة إلى الخليج وكذلك الخارجة منه وهي الخطوط الملاحية للسفن التجارية وناقلات البترول ، فقد قامت الحكومة البريطانية عام 1913م - بموافقة من حاكم رأس الخيمة آنذاك الشيخ سالم بن سلطان القاسمي - ببناء فنار على الجزيرة لإرشاد السفن . كما تتوفر بالجزيرة خامات غنية من الأوكسيد الأحمر ، وبعض آبار المياه العذبة التي تستخدم للشرب والزراعة ، كما تنتشر بها بعض أشجار النخيل . وقد سبق لحكومة رأس الخيمة أن وفرت للسكان (حوالي 200 نسمة) بعض المؤسسات الخدمية ، وينحدر سكان الجزيرة من قبائل جرير وتميم العربية ويمتهنون صيد الأسماك ، وقلة منهم اهتموا بالزراعة ورعاية الماشية .
وهي بالدرجة الأولى جزيرة ذات أهمية إستراتيجية أكثر منها اقتصادية وذلك لعمق المياه حولها وصلاحيتها لأن تكون ميناءاً تنطلق منه قوات الدولة التي تمتلك الجزيرة للسيطرة منها بسهولة على مدخل الخليج العربي .
جزيرة طنب الصغرى : تقع على بعد 8 أميال إلى الغرب من جزيرة طنب الكبرى ، مثلثة الشكل وارتفاعها حوالي 35 متر عن سطح البحر ، ويبلغ طولها ميل واحد وعرضها ثلاثة أرباع الميل . وهى جزيرة صخرية غير صالحة للسكن .
تلك هي الجزر الثلاث التي يتنازع السيادة عليها اليوم دولتان هما الإمارات العربية المتحدة وجمهورية إيران الإسلاميتان ... كلتاهما تدعيان حقوقاً لها سواء في الملكية أو السيادة على الجزر الثلاث ... وكلتاهما مصممتان على موقفيهما المتعارض . وقد مرت عشرات السنوات على هذا النزاع دون حسم أو اتفاق مروراً بمحطات اتسمت بالسخونة والاحتدام . وبينما أبدت دولة الإمارات المتحدة استعدادها للتفاوض أو التحكيم ، كان لجمهورية إيران موقفها شبه الثابت برفض التحكيم أو التفاوض .
فما هي قصة النزاع ؟ وكيف بدأ ؟ ومتى ؟ وما هي المراحل التي مرت بها مسألة السيادة على ذه الجزر ؟
هوامش الفصل الأول :
___________________________________
(1) أحمد جلال التدمري : "الجزر العربية الثلاث ، دراسة وثائقية " ، ص 57 .
(2) د. محمد رشيد الفيل : "الأهمية الاستراتيجية للخليج العربي" ، ذات السلاسل ، 1988م ، ص :209.
(3) أحمد جلال التدمري ، مرجع سابق ، ص : 61 .
(4) شوقي رافع : "الثكنة الإيرانية في أبو موسى " ، صوت الكويت ، العدد الصادر في 15/9/1992م ، نقلاً عن وكالة الأنباء الكويتية (كونا تقرير إخباري) .
الفصل الثاني تاريخ النزاع حول الجزر الثلاث
يجمع المؤرخون الذين تطرقوا لموضوع الجزر الثلاث (أبوموسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى) بأن أول إدعاء إيراني بملكية هذه الجزر كان في سبتمبر 1887م حينما عادت إمارة لنجة الواقعة على الساحل الشرقي من الخليج العربي إلى السيادة الإيرانية ، وكانت تلك الإمارة تدار حتى هذا التاريخ بواسطة العرب القواسم حكام رأس الخيمة والشارقة .
ولابد للقارئ أن يتعرف باختصار على التاريخ المبكر لهذا الجزء من الخليج قبل المرور بمراحل النزاع الإماراتي الإيراني حول الجزر الثلاث .
جذور النزاع : يعتبر تاريخ الجزر الثلاث قبل عام 1750م غامضاً إلى حد بعيد فيما يتعلق بالسيادة عليها ، لكن من الواضح أن منطقة الخليج وخصوصاً على الجانب الإيراني كانت تعاني من حالة عدم الاستقرار ، مما شجع الكثير من العرب على ساحل الخليج العربي من السيطرة على بعض الأجزاء في الجانب الإيراني من الخليج ففي عام 1728م استولى عرب القواسم (التسمية التاريخية لعرب رأس الخيمة والشارقة) على "باسيدو" الواقعة على الساحل الإيراني ، وفي عام 1737م تعرضت رأس الخيمة لهجوم إيراني أخضع شيوخها العرب للهيمنة الفارسية ، لكن كل المصادر التاريخية تؤكد على أن هذا الخضوع لم يستمر طويلاً ، وأن فارس لم تحتفظ بأي سيطرة على رأس الخيمة .
وفي عام 1747م وإثر اغتيال الحاكم الإيراني نادر شاه فارس برزت عدة نزاعات داخلية في منطقة بندر عباس وهرمز على الساحل الإيراني ، مما دفع عرب القواسم في رأس الخيمة إلى إرسال قواتهم لمساعدة علي شاه (حاكم بندر عباس) . وقد استمر النزاع ثلاث سنوات سيطر من خلالها فرع من القواسم على لنجة واستقروا فيها . وظل عرب القواسم محتفظين بها حتى عام 1887م حين خلع الفرس آخر حاكم عربي في لنجة ، وكانت لنجة باستثناء عدد من السنين إمارة إيرانية تدار عربياً ، وأصبح شيوخها وبالتدريج رعايا فارسيين يحكمون لنجة نيابة عن حكومة فارس في طهران ويدفعون لها الضرائب (1) .
كانت لنجة مدينة مزدهرة ، ومركزاً تجارياً مهماً إلى أن دخلها الفرس وبدأت أولى محطات النزاع التاريخي على ملكية الجزر الثلاث .
علاقة الجزر بمدينة لنجة الإيرانية : بعدما استتب الأمر لصالح الجيش الإيراني في لنجة وأقيل حاكمها القاسمي وعين آخر إيراني مكانه ، انطلقت قوة مسلحة بمدفعين إلى جزيرة صري التي تقع على بعد 40 ميلاً إلى الغرب من جزيرة أبوموسى ، ورفعت عليها العلم الإيراني . اعتبر الشاه أن امتداد سلطة طهران إلى مدينة لنجة يستتبع بسط سلطتها على جزيرة صري كون تلك الجزيرة تتبع لنجة إدارياً . وأن كون حكام لنجة هم من العرب لا ينال من صحة اعتقاده بأنهم كانوا دائماً يحكمون المدينة الساحلية كممثلين للحكومة المركزية في طهران (2).في 28 إبريل 1888م طلب شاه إيران (ناصر الدين) في رسالة إلى السفير البريطاني أن تعترف بريطانيا بسيادة إيران على جزيرة أبوموسى . قال الشاه في ادعائه الأخير أنه طرد القواسم من لنجة وأن المدينة سوف تحكم مباشرة من طهران . ودعم الشاه طلبه بخريطة لمنطقة الخليج كانت البحرية البريطانية وضعتها قبل ذلك بسنتين تظهر فيها جزر الطنب وأبوموسى بألوان إيران . إلا أن الشاه وبخلاف تصرفه تجاه جزيرة صري ، لم يعمد إلى احتلال أبوموسى أو إلى رفع العلم الإيراني عليها . بل اكتفى برفع ادعائه إلى السفارة البريطانية في طهران التي كتبت إلى المفوضية البريطانية في بوشاير تستوضح الأمر ، وكان الرد أن طلب الشاه الجديد ليس له ما يبرره إطلاقاً(3) .
* في عام 1892م أبرمت بريطانيا معاهدة مع شيوخ المنطقة والتي التزمت بموجبها بالدفاع عن ممتلكاتهم من أي اعتداء خارجي ، ولم تغير بريطانيا من موقفها تجاه المطالب الإيرانية بالسيادة على الجزر الثلاث إلا في نهاية الستينات عندما أعلنت عام 1968 عن نيتها في الانسحاب من الخليج بنهاية عام 1971م ، حيث شرعت في القيام ببعض الترتيبات السرية منها وغير السرية لتمهيد الطريق أمام الولايات المتحدة الأمريكية للإسهام في ما سمي بملء الفراغ السياسي والعسكري الذي ستتركه في المنطقة بعد رحيلها (4) .
خلال الفترة الممتدة من 1892م وحتى تاريخ احتلال إيران العسكري للجزر في 1971م حدثت بعض الممارسات الإيرانية سعت فيها إيران لتأكيد سيطرتها على الجزر بشكل أو بآخر .
* في عام 1904م :قام مسؤولو الجمارك البلجيكيون العاملون لحساب السلطات الإيرانية بإنزال أعلام القواسم ورفع أعلام إيران مكانها ، مما أدى إلى تهديد بريطاني صريح باللجوء إلى القوات البحرية لإنزال أعلام إيران ، مما أجبر السلطات الإيرانية على إنزال أعلامها والانسحاب من الجزر في العام نفسه .
*في عام 1912م :طلبت بريطانيا إذنا من حاكم رأس الخيمة لتشييد منارة بحرية في جزيرة الطنب الكبرى ، مؤكدة أن وجود المنارة في الجزيرة سوف يثبت أكثر من أي وقت مضى حق القواسم في الجزيرة . وافق حاكم رأس الخيمة على تشييد المنارة لقاء إيجار سنوي .
*في عام 1923م :أعلنت إيران عن نيتها إثارة النزاع أمام عصبة الأمم ، والدافع لذلك الإعلان لم يكن سياسياً بل كان اقتصادياً بحتاً . وذلك أنه كانت هناك مناقشة على استخراج وتصدير أكسيد الحديد الأحمر بين شركة إيرانية كانت تعمل في هرموز ، وأخرى بريطانية كانت تعمل في جزيرة أبوموسى ، فكان أن طلبت الشركة الإيرانية من حكومتها إحياء ادعائها السيادة على جزيرة أبوموسى وربط ذلك بادعائها السيادة على البحرين ، ورفع الأمر إلى عصبة الأمم . وردت بريطانيا مذكرة الحكومة الإيرانية بموقفها الرافض الذي اتخذته عام 1904م . (أنظر قضية إيران مع البحرين بالملحق رقم 4) .
* في عام 1925م :عادت المسألة إلى الظهور في خريف هذا العام حين أرسلت سلطات الجمارك الإيرانية زورقاً إلى أبوموسى لفحص الأكسيد الأحمر ونقل كيس منه إلى إيران ، وكان الرد البريطاني حاسماً حين أبلغ ممثلها في طهران الحكومة الإيرانية بأن الإصرار على ادعائها بملكية الجزر سيجعل من الضروري الطلب إلى حكومة الهند (حيث كانت مستعمرة بريطانية) أن ترسل سفينة حربية إلى أبوموسى للحفاظ على حقوق شيخ الشارقة فيها ، مما أدى إلى توقف إجراءات سلطات الجمارك الإيرانية .
والواقع أن الساحة الإيرانية قد شهدت في عام 1925م تغييراً جذرياً استدعى إعادة تقويم للعلاقات الإيرانية - البريطانية . ففي إيران كانت سنة 1909م بداية النهاية لحكم عائلة "القجر" حين اضطر الشاه آنذاك وتحت وطأة ثورة شعبية عارمة للتخلي عن الحكم لصالح ابنه القاصر والفرار إلى روسيا . وفي عام 1925م ظهر رضا خان الذي كان أحد ضباط فرقة الكوزاك وقام بانقلاب عين على أثره رئيساً للوزراء ، ثم توج شاهاً يوم 31 أكتوبر 1925م باسم رضاه شاه بهلوي (وبلهوي هو اسم اللغة التي كان يستخدمها حكام إيران في مخاطباتهم الرسمية قبل الفتح الإسلامي لبلاد فارس) . وقد عمل الشاه الجديد على تقليص نفوذ السلطات الروحية في البلاد عن طريق نشر مبادئ تحض على الولاء للوطن والعائلة الحاكمة . ومن أجل إيجاد روح قومية وتعزيزها رفع الشاه شعار محاربة النفوذ البريطاني الذي رأى فيه الأساس في متاعب إيران السياسية والاقتصادية ، ساعد على هذا التوجه تراجع النفوذ الروسي في إيران على أثر الثورة الشيوعية عام 1917م والتي أعلنت إلغاء كل الامتيازات التي حصل عليها قبل ثورة القياصرة الروس في إيران .
وفي ضوء هذه التغيرات الجذرية على الساحة الإيرانية شرعت بريطانيا وإيران في المفاوضات حول إيجاد صيغة جديدة في العلاقات بينهما بما في ذلك مسألة الجزر الثلاث(5) .
* في عام 1930م :عرضت إيران فكرة تخليها عن المطالبة بجزيرة أبوموسى لقاء تأكيد سيادتها على جزيرة طنب الكبرى وطنب الصغرى . وأجابت الحكومة البريطانية بأنها لا يمكنها إعطاء بلاد فارس جزيرة لا تملكها بريطانيا ، وهنا عرضت إيران أن تستأجر حكومتها جزيرة طنب الكبرى لقاء مبلغ من المال يدفع لحاكم رأس الخيمة مباشرة . ورفع السفير البريطاني العرض الإيراني إلى حكومته التي أوصت بعرض الأمر على حاكم رأس الخيمة مع بذل أقصى جهد لإقناعه بالموافقة (لاسيما وأن بريطانيا كانت لها مصلحة في موافقة القواسم على هذا العرض حيث ربطت بين موضوع تأجير جزيرة الطنب لإيران لفترة خمسين عاماً بموافقة إيران على تأجير منشآت بحرية عسكرية لبريطانيا في الخليج العربي للفترة ذاتها) .
وبتاريخ 11 مارس 1931م أبرق المقيم البريطاني في الخليج إلى حكومة الهند ما أجاب به سلطان بن سالم القاسمي حاكم رأس الخيمة (أنظر الملحق رقم 1) . وضع الشيخ ثمانية شروط من أجل منح موافقته للعرض الإيراني باستئجار جزيرة طنب الكبرى .
وبدى واضحاً من شروط حاكم رأس الخيمة أنه غير مستعد للتنازل عن سيادته على جزيرة طنب الكبرى لقاء أي ثمن وانتهت المفاوضات البريطانية الإيرانية عند هذا الحد وتوقفت نهائياً عام 1933م .
* في عام 1934م :بتاريخ 29 ديسمبر 1934م أمر حاكم رأس الخيمة بإنزال علمه المرفوع على جزيرة طنب الكبرى ، وسحب عماله هناك ، وكردة فعل على هذا التصرف غير المفهوم آنذاك أصدر القائد العام للقوات البحرية البريطانية أوامره للسفينة الحربية (سلوب) بالبقاء في جزيرة طنب لحين صدور تعليمات أخرى .
ويبدو أن حاكم رأس الخيمة قد أنزل علمه ليجلب انتباه السلطات البريطانية بأنه لم يتسلم إيجار الفنار أسوة بما يتسلمه حاكم الشارقة من إيجار للقاعدة الجوية البريطانية الكائنة في أبي موسى .
وانتهى الأمر بأن تم إعادة رفع العلم بتاريخ 10 إبريل 1935م بضغط بريطاني على حاكم رأس الخيمة .
* في عام 1935م : قام عدد من المسئولين الإيرانيين بزيارة لطنب الكبرى وأبوموسى مما أدى لقيام طائرات سلاح الجو البريطاني بطلعات استكشافية فوق الجزر استمرت لأسابيع .
بعد هذا التاريخ بدأ النزاع يأخذ منحى آخر تمثل في تبدل اللهجة البريطانية إزاء هذه المسألة ، وذلك بعد تغير الظروف السياسية في المنطقة ، والتراجع الاستراتيجي الذي لحق بها بعد الحرب العالمية الثانية وبروز أهمية منطقة الخليج فيما يتعلق بأهمية استمرار تدفق النفط ، وبعدها الدور الذي لعبته إيران كشرطي للمنطقة ، كل هذه المستجدات أدت إلى أن يكون لبريطانيا مواقف متغيرة عما كان عليه الحال بالنسبة لعلاقتها لطرفي النزاع وعلى النحو الذي سوف يتضح بعد .
* في عام 1955م :حاولت بريطانيا أن ترعى اتفاقا تعترف الشارقة بمقتضاه بالسيادة الإيرانية على صري ، مقابل اعتراف إيران بملكية الشارقة لأبوموسى ، واستعداد رأس الخيمة لبيع جزيرة طنب لإيران ، إلا أن المحاولة فشلت ولم يكتب لها النجاح ، لقد فضل الشيخ صقر حاكم الشارقة آنذاك تأجير الجزيرتين بدلاً من بيعهما لكنه طلب إيجاراً باهظاً كما كانت له شروطه وأهمها : أ ) الاحتفاظ بحقوقه النفطية والمعدنية في الجزيرة . ب) الاحتفاظ بالفنار والسماح للصيادين التابعين له وللزوارق من استخدام الجزيرة . ج) إلغاء الرسوم الإيرانية على كافة رعاياه هناك (أنظر الملحق رقم 2،3) (6) .
* في أغسطس 1961م :نزلت طائرة مروحية إيرانية على جزيرة طنب الكبرى ، وقام ملاحوها بالتقاط الصور الفوتوغرافية للفنار والأبنية المجاورة له وسألوا عن أسماء وجنسية الأشخاص الذين يديرون الفنار .
وكان الرد البريطاني واضحاً حاسماً لصالح حاكم رأس الخيمة وذلك في مذكرة احتجاج أرسلها السفير البريطاني في طهران إلى وزارة الخارجية البريطانية جاء فيها : " تم إصدار التعليمات إلى السفارة لجلب انتباه السلطات الإيرانية إلى حقيقة أن هذه الجزيرة هي جزء من إمارة رأس الخيمة . ويدين سكانها بالولاء إلى صاحب السمو حاكم رأس الخيمة الذي يقوم بتعيين وكيلاً له في الجزيرة ، وعلمه مرفوع عليها. وتدير رأس الخيمة الجزيرة منذ عام 1887م ويمارس حاكم تلك الدولة سيادته عليها منذ عام 1921م عندما أصبحت رأس الخيمة مستقلة عن الشارقة (7) .
* في عام 1968م :أعلنت بريطانيا عن نيتها في الانسحاب من الخليج بنهاية 1971م ، وشرعت بالقيام ببعض الترتيبات السرية منها وغير السرية لملء الفراغ السياسي والعسكري الذي ستتركه في المنطقة بعد رحيلها .
احتلال إيران للجزر ومذكرة التفاهم : لم تكد معاهدة الحماية التي ربطت بين بريطانيا وأمراء الساحل الجنوبي العربي للخليج تنتهي حتى استولت القوات الإيرانية على جزر طنب وجزء من أبوموسى . وكان حاكم الشارقة قد أعلن قبل يوم واحد من استيلاء إيران على الجزر أي في 29 نوفمبر عام 1971م أنه اضطر إلى التوصل إلى ترتيب مع إيران للتشارك في السيادة على جزيرة أبوموسى في مواجهة التهديد الصريح بالاستيلاء على الجزيرة في حالة عدم قبوله .
والحقيقة إنه لم يكن هناك أي خيار أمام حاكم الشارقة سوى الرضوخ للمطالب الإيرانية ، وخاصة بعدما أوضحت له الحكومة البريطانية بصراحة أنها عاجزة عن الدفاع عن الجزيرة في مواجهة التحركات الإيرانية إذا لم يمكن التوصل لترتيبات محددة قبل حلول موعد رحيلها عن الخليج .
ويلاحظ أن الذي ناقش الصيغة النهائية لتلك المذكرة هو السير ويليام لويس آخر مقيم بريطاني في المنطقة ، ولكن وعلى الجانب الآخر وفيما يخص جزر طنب فلم يرضخ حاكم رأس الخيمة للمطالب الإيرانية مما أدى إلى استيلاء إيران عليها في 30 نوفمبر 1971م حيث تم إجلاء 120 مواطناً من القواسم إلى رأس الخيمة . ومما يجدر ذكره أن الاستيلاء الإيراني على جزر طنب قد تم ورأس الخيمة تحت الحماية البريطانية .
وفيما يلي نص مذكرة التفاهم بين إيران والشارقة الموقعة من الشيخ خالد بن محمد القاسمي في 29/11/1971م :مع الأخذ في الاعتبار أن كلا من إيران والشارقة قد لا تعتزم التنازل عن مطالبها في أبوموسى ولا الاعتراف بمطالب الأخرى ، سوف يتم تنفيذ المطالب التالية : 1 - سوف تصل قوات إيرانية إلى أبوموسى ، وسوف تحتل مواقع اتفق على تحديدها وفقاً للخريطة المرفقة بهذه المذكرة .2 - أ ) سوف تكون لإيران السلطة الكاملة داخل المناطق التي سوف تحتلها قواتها وفقاً للمتفق عليه ، كما سيرفع فيها العلم الإيراني . ب) سوف تحتفظ الشارقة بالسلطة الكاملة على باقي أراضي الجزيرة ، وسيظل علمها مرفوعاً على مركز الشرطة التابع لها لنفس الأسس التي سيرفع فيها العلم الإيراني على مقرات قواتها بالجزيرة .3 - تعترف كل من إيران والشارقة بامتداد المياه الإقليمية للجزيرة لمسافة 12 ميلاً بحرياً . 4 - تواصل شركة (Butes Gas Oil Company) استغلال الموارد النفطية في أرض الجزيرة ومياهها الإقليمية ، وما تحت قاع البحر في المياه الإقليمية وفقاً للاتفاق الحالي مع الشارقة ، والذي يجب أن توافق عليه إيران ، على أن تدفع نصف الحصة الحكومية من عائدات النفط المستخرج وفقاً لهذا الاتفاق إلى إيران مباشرة ، وتدفع النصف الآخر للشارقة .5 - سوف يتمتع مواطنو إيران والشارقة بحقوق متساوية في الصيد في المياه الإقليمية لأبوموسى .6 - سوف يتم التوقيع على اتفاق للمساعدات المالية بين إيران والشارقة (8) .
لقد وجد الشاه في احتلال الجزر مجالاً ليس فقط لعرض قدراته العسكرية ، بل الأهم من ذلك ، إظهار نفسه أمام الدول العربية في مظهر صاحب السلطة والقوة في منطقة الشرق الأوسط مدعوما من الدول الغربية وإسرائيل . ومن ناحية أخرى ، جاء احتلال الجزر كمكافأة قدمتها الدول الغربية للشاه لتخليه عن أطماعه في البحرين .
جاءت الثورة الإيرانية عام 1979م لتطيح بالشاه محمد رضا بهلوي ولترفع الشعارات المعادية للإمبراطورية والصهيونية ومناصرة "المستضعفين في الأرض" ، الأمر الذي بعث الأمل في نفوس الخليجيين ودعاهم للتفاؤل بقرب انتهاء كابوس الأطماع الإيرانية في المنطقة بانتهاج النظام الإيراني الجديد سياسة تقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير . إلا أن الثورة الإيرانية لم تكتف بالإطاحة بنظام الشاه السابق بل تبنت مبدأ تصدير الثورة ونذرت نفسها لأداء دور عالمي أيديولوجي وسياسي ، وكانت حركات "الإسلام السياسي" في البلاد العربية والإسلامية هي القوة المحلية الضاربة التي اعتمدتها إيران في إستراتيجيتها لتصدير الثورة . كما أن قيادة الثورة الخمينية حذت حذو الشاه الراحل في التمسك بالجزر متسلحة بنفس الحجج التي تسلح بها النظام الإمبراطوري السابق .
لقد انتهى النشاط العسكري الإيراني باحتلال جزر أبوموسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى في 30/11/1971م قبل يوم فقط من الانسحاب البريطاني من الخليج . ولعل تصرف الشاه هذا أراد منه تحقيق الأهداف التالية(9) :
1 - التأكيد للولايات المتحدة على مقدرة القوات الإيرانية على استخدام التقنية العسكرية العالية ومقدرة الشاه على التحرك في الخليج . 2 - التأكيد للعرب على دور إيران كقوة رادعة . 3 - وضع اليد على جزر تعتبر بموقعها الاستراتيجي نقطة تحكم وسيطرة على مضيق هرمز والخليج بأكمله .* في منتصف السبعينات بنى الإيرانيون ميناءاً على الجزء المخصص لهم من أبوموسى وكان قرار الشارقة بعدم بناء ميناء في جزئها من الجزيرة سبباً في أن يستخدم مواطنيها الميناء الإيراني وأن يتعرضوا لإجراءات الدخول الإيرانية .
* في الثمانينات قامت إيران ببرنامج تطويري لأبى موسى تضمن إنشاء مطار وإقامة منشآت جديدة أو القيام بعمليات التجديد . وقام الإيرانيون عام 1987م بالزحف على الجزء الجنوبي من أبوموسى الواقع تحت سلطة الشارقة إثر أنباء عن محاولة انقلاب داخل الأسرة الحاكمة في الشارقة ، ولسبب ما لم يتم الانقلاب المذكور ، وحين اكتشف الإيرانيون ذلك كانوا قد أنزلوا علم الشارقة بالفعل لكنهم أسرعوا بإعادة رفعه والعودة إلى مواقعهم . ولكن منذ ذلك الوقت اتخذت الدوريات العسكرية الإيرانية داخل المناطق الخاضعة للشارقة شكلاً منتظماً ومتكرراً . وبعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية ، قام الإيرانيون ببناء مدرج للطائرات يمتد داخل الجزء المخصص للشارقة .
* لم تجذب تلك الأحداث الأنظار إليها وذلك بسبب الأحداث الكبيرة التي وقعت في الخليج من الحرب العراقية الإيرانية وما تلاها من غزو عراقي في الكويت . لكن المسألة عادت إلى دائرة الأحداث مرة أخرى أواخر عام 1991م ، عندما طالبت إيران رعايا الدول الأخرى باستخراج تصاريح أمنية إيرانية ، وحين رفضت الإمارات هذا الطلب قامت السلطات الإيرانية بطرد الخبراء الأجانب من الجزيرة في إبريل 1992م .
وتفاقمت الأزمة في أكتوبر 1992م حين منعت إيران عودة المدرسين للمدرسة المحلية الواقعة تحت سلطة الشارقة - وكلهم من جنسيات عربية مختلفة - من العودة إلى الجزيرة ، مما اعتبر خرقاً فاضحاً لمذكرة التفاهم ، ثم أعادتهم للجزيرة في 11 نوفمبر 1992م .
وضع الراهن للجزر : الواقع أن دولة الإمارات لم تسلم بالاحتلال الإيراني لجزر طنب وسيادتها على أبوموسى ، وإن كانت تستوعب أنها لن تستطيع بمفردها استعادة حقوقها بالقوة ، لكنها لم تتخلى في أي وقت من الأوقات عن حقها في استعادة الجزر .
وأمام تصلب موقف إيران وتمسكها بالجزر الثلاث ورفضها لأي مفاوضات حول هذا الشأن وصلت المساعي المبذولة إلى طريق مسدود ، الأمر الذي دفع المسؤولين في الإمارات العربية إلى طرح موقف جديد محدد يتمثل في المطالبة باللجوء إلى محكمة العدل الدولية للبت في النزاع . وقد عبر الشيخ زايد رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ، عن هذا الموقف بكلمات بسيطة معبرة : "إذا قدمنا براهيننا وقدموا براهينهم للتحكيم فهذا هو الذي سيقرر الصحيح والباطل منها ، اقصد بذلك اللجوء إلى محكمة العدل الدولية" ، وقد أيدت جميع الدول العربية هذا الموقف كما أيدته معظم دول العالم حتى تلك التي يرتبط بعضها بروابط وثيقة مع إيران (10) .
ويبقى الباب مفتوحاً أمام قضية لم تحسم ونزاع لم يتوصل أطرافه إلى حل ... فما هي احتمالات الصراع ؟ وما هي احتمالات التسوية ؟
هوامش الفصل الثاني :___________________________________
(1) بعد القضاء على إمارة لنجة في عام 1887م انتقلت إدارة طنب إلى رأس الخيمة بينما ارتبطت أبوموسى بالشارقة ، واستمرت هذه الإدارة المنفصلة عندما توحدت الشارقة ورأس الخيمة مرة أخرى وبصورة مؤقتة خلال الفترة (1900م- 1921م) وإنفصلنا مرة أخرى بعد ذلك إذ أصبحت أبوموسى تابعة لحاكم الشارقة ، وطنب تابعة لحاكم رأس الخيمة الشيخ سلطان بن سالم القاسمي . أنظر عبدالله عبدالرحمن : "النزاع الإيراني الإماراتي حول الجزر الثلاث: ، العرب اليوم ، العدد الصادر في 1/3/1998م ، ص : 8 .
(2) باسم عجمي : "تاريخ الصراع على الجزر الثلاث " ، الحياة ، العدد الصادر في 23/3/1997م ، ص : 18 .
(3) جدير بالذكر أنه بخلاف جزر الطنب وصري ، لم تكن تربط أبوموسى أي علاقة بمدينة لنجة ، بل كانت الجزيرة تدار مباشرة من قبل قواسم الشارقة ، وبالتالي فإن مد سيطرة طهران إلى المدينة الساحلية لم يشكل مبرراً قانونياً لإدعاء السيادة الإيرانية على تلك الجزيرة .
(4) أنظر : على حميدان : "من الإمبراطورية الشاهنشاهية إلى الجمهورية الإسلامية - الإمارات وإيران والجزر الثلاث ، الشرق الأوسط ، العدد 6774 الصادر في 15/6/1997م ، ص : 21 .والكاتب إماراتي شغل عدة مناصب ديبلوماسية وكان سفيراً لبلاده في الأمم المتحدة عندما احتلت إيران الجزر الثلاث في نوفمبر 1971م .
(5) باسم عجمي ، مرجع سابق ، ص :18 .
(6) أنظر للاطلاع على وثائق أكثر تفصيلاً : د.وليد حمدي الأعظمي ، د. عبداللطيف الخاجة : "النزاع بين دولة الإمارات العربية وإيران حول جزر أبوموسى وطنب الكبرى والصغرى في الوثائق البريطانية " دار الحكمة 1993م .
(7) د. وليد الأعظمي ، مرجع سابق ، ص : 175 .
(8) اتفق على أن تدفع إيران (1.5 مليون) جنيه إسترليني للشارقة إلى حين وصول دخل الشارقة إلى ثلاثة ملايين جنية إسترليني سنوياً . أنظر : عبدالله عبدالرحمن : "النزاع الإيراني الإماراتي حول الجزر الثلاث" / مقال سابق .
(9) د. محمد رشيد الفيل : "الأهمية الاستراتيجية للخليج العربي" ، مرجع سابق ، ص :197 .
(10) د. علي حميدان " "بين الامبراطورية الشاهنشاهية والجمهورية الإسلامية" ، مرجع سابق ، ص "16 .
الفصل الثالثالنزاع الإماراتي الإيراني حول الجزر الثلاث
"احتمالات الصراع والتسوية"من التسلسل التاريخي الذي قدمناه في الفصل الثاني يتضح لنا أن هناك لكل من دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية إيران الإسلامية مبرراتهما للاستحواذ على الجزر الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى) . كما أن هناك موقف متلون سياسياً للدول العظمى ذات المصالح الحيوية في المنطقة مثل بريطانيا سابقاً ثم الولايات المتحدة اليوم .
وفيما يلي نعرض تحليلاً للمبررات والمواقف التي اتخذتها الأطراف المعنية بهذا الصراع .
الخاتمة
النزاع حول الجزر هو من النزاعات الحدودية القليلة الموثقة توثيقاً جيداً . ومما لا شك فيه أن الاحتلال الإيراني للجزر الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى) منذ نوفمبر 1971م هو من أهم البؤر التي تؤجج التوتر في المنطقة بين الحين والآخر .
إن أهمية الجزر الثلاث ترجع إلى حقيقة منطقية مؤداها أن الذي يسيطر على الجزر يمكنه التحكم في الخليج العربي ، وأن الذي يتحكم في الخليج فقد تحكم في شريان مائي وملاحي هام يربط بين كل من آسيا وأفريقيا وأوروبا . إن الأهمية الكبرى للخليج وما به من جزر تنبع من كونه الموقع الذي تستورد عن طريقه الولايات المتحدة وأوروبا واليابان أكثر من 60% من احتياجاتها من النفط المستورد من الدول المطلة على الخليج وبصفة عامة تمر 86% من صادرات نفط الشرق الأوسط عبر مضيق هرمز بشواطئ الجزر الثلاث ، وهو ما يعادل نصف الطاقة التي تعتمد عليها صناعات العالم واقتصاده وحياته اليومية .
وهذه الجزر التي تتحكم في مدخل الخليج العربي بموقعها الاستراتيجي الهام تتمتع بمزايا أخرى عسكرية واقتصادية لا تقل أهمية .. فهي محط أنظار الدول ذات المصالح لمحاولة إقامة القواعد العسكرية عليها ، كما أنها صالحة كموانئ لرسو السفن ومحطات للتزود بالوقود والمياه ، إضافة إلى أن بها ثروات نفطية ومعدنية (أكسيد الحديد الأحمر) لا يستهان بها ، وأخيراً فإن مصائد الأسماك بها تحقق دخلاً طيباً للصيادين . ولم تتوقف إيران منذ عام 1892م وحتى تاريخ احتلالها للجزر عسكرياً في 30/11/1971م عن الممارسات المتعددة في محاولة منها لتأكيد سيطرتها على تلك الجزر بشكل أو بآخر (كما قامت بنفس المحاولات مع البحرين من قبل) .
وقد اتضح لنا - خلال الدراسة - أن إيران قد عززت موقفها في الجزر الثلاث على مدى التسعينات سواء بمنعها موظفي دولة الإمارات من دخولها إلا بتصريح من السلطات الإيرانية أو فرضها قيود على دخول وخروج السكان ، فضلاً عن قيامها بتعزيز وجودها العسكري في جزيرة أبوموسى وتعيين حاكم عسكري لها بشكل يعني -بطريقة غير مباشرة - حسم موضوع السيادة عليها من جانب واحد دون مراعاة لما ورد في اتفاقيتها مع حاكم الشارقة التي وقعتها في 29/11/1971م (أي قبل يوم واحد من دخول القوات العسكرية الإيرانية إلى الجزيرة في 30/11/1971م) .
ويبدو أن إيران قد اتخذت إجراءاتها في الفترة الأخيرة على أساس مواقف أمنية مبالغ فيها ، إذ اعتقدت أن الوجود الأمريكي المكثف إبان حرب الخليج الثانية وبعدها سينتهي إلى القيام بعملية عسكرية ضد إيران ، وبالتحديد تمكين الإمارات من استعادة تلك الجزر بالقوة وهو ما ثبت مع الوقت أنه غير صحيح .
على الجانب الآخر ترفض دولة الإمارات العربية المتحدة العدوان الإيراني وتستنكره ، بإعتبار أن الاحتلال العسكري للجزر يعد خرقاً لمبادئ وأحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة (رقم 2625 الصادر في 1970م في شأن التعاون بين الدول ، ورقم 3314 الصادر في 1974م في شأن تعريف العدوان) . كما أن للإمارات مبرراتها القوية من النواحي القانونية والسياسية والتاريخية التي تؤكد على حقها الأصيل في السيادة على الجزر (أنظر المبحث الثاني في الفصل الثاني) .
وإزاء إصرار الجانب الإيراني على رفض مناقشة إنهاء الاحتلال العسكري لجزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى ورفضه كذلك اقتراح دولة الإمارات إحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية فقد بات من المتعذر -حتى الآن- إحراز أي تقدم عبر المفاوضات الثنائية مع البلدين .
أما عن موقف الدول الغربية الكبرى التي كانت لها السيطرة في منطقة الخليج فقد لوحظ أنه وقبل بروز الولايات المتحدة ، كدولة عظمى ذات نفوذ في الخليج ، كانت بريطانيا هي القوة الأولى في المنطقة ، وبالتالي كانت هي المرجع الأساس للخلافات فيها . وهكذا ، فإن أي بحث جدي للنزاع على الجزر كان ولابد أن يعتمد بشكل أساسي على الوثائق البريطانية كمرجع أولي للتدقيق في أصل الخلاف وتطوره على مدى أكثر من 100 سنة .
وقد تبين للباحثة أن الوجود البريطاني في الخليج كان يتلون ويتغير وفقاً لتغير المصالح البريطانية ، وأنه من المؤكد أن نفس معيار المصالح هو الذي يحكم الوجود الأمريكي في المنطقة منذ قيام الولايات المتحدة بسد الفراغ الذي خلفه الانسحاب البريطاني من الخليج في نوفمبر 1971م .
إن بريطانيا التي استمرت في رفض الادعاءات الإيرانية بالسيادة على الجزر الثلاث والتي عقدت مع شيوخ المنطقة معاهدة 1892م للدفاع عن ممتلكاتها ، بريطانيا هي نفسها التي شرعت في عام 1968م بالقيام ببعض الترتيبات السرية منها وغير السرية لملء الفراغ السياسي والعسكري الذي سوف يخلفه انسحابها من الخليج بنهاية 1971م . ولقد اتضح لنا من تصريحات السير جيفري آرثر الذي كان يشغل منصب المعتمد البريطاني في الخليج إبان احتلال إيران للجزر الثلاث أن بريطانيا هي التي أعطت الضوء الأخضر للشاه لاحتلال الجزر الإماراتية تعويضاً له عن تخليه عن البحرين وإنطلاقاً من قناعتها وقناعة الولايات المتحدة بأن إيران الشاهنشاهية هي القوة المنشودة آنذاك للمحافظة على مصالح الغرب في المنطقة .
وحتى اليوم - ولأسباب إستراتيجية واقتصادية - لم يصدر عن الولايات المتحدة أي تصريحات تشير إلى اتخاذها موقفاً رسمياً في شأن الخلاف الإيراني الإماراتي حول الجزر ، مفضلة -في الوقت الحاضر- علاقاتها الخليجية على علاقاتها مع إيران ... وسوف يستمر هذا الموقف حتى مجيء الوقت الذي تتبدل فيه المؤشرات في بورصة المصالح الدولية .
إن الجانب القانوني في الدارسة قد بين بجلاء أن السيادة الفعلية على الجزر الثلاث ترجع إلى دولة الإمارات (إمارتي الشارقة ورأس الخيمة) ذلك أن الاستيلاء (ويقصد به -قانوناً- إدخال دولة من الدول في حيازتها المادية إقليمياً غير مملوك لدولة ما بقصد بسط سيادتها عليه) هو السبيل الذي حصلت به إمارتي الشارقة ورأس الخيمة على الجزر الثلاث منذ العام 1750م وحتى العام 1971م من دون معارضة فعلية من السلطات الإيرانية وقد تعددت مظاهر تلك السيادة التي مارستها الإمارتين على الجزر الثلاث خلال هذه الحقبة الطويلة من الزمن مثل : رفع علم الإمارات على الجزر الثلاث وإدارة المرافق العامة ، واستيفاء الرسوم الجمركية ... وغيرها إضافة إلى منح الامتيازات واستغلال الموارد الطبيعية .
وعلى الرغم من تكرار دعوة الإمارات العربية المتحدة لاستعدادها وقبولها مبدأ التحكيم الدولي للبت في هذا النزاع (أي بالعرض على محكمة العدل الدولية) ، وتعهدها صراحة بعدم منازعة قرار التحكيم والتقيد به ، فإن الموقف الإيراني ظل رافضاً تماماً لفكرة التحكيم الدولي . ولا يعني ذلك أن إيران لا تملك الحجة ، أو أن موقفها ضعيف ، ولكن إيران التي تملك على الأقل خرائط صادرة عن البحرية البريطانية عام 1887م تظهر الجزر المتنازع عليها بألوان إيرانية ، ترفض لأسباب أخرى غير الفشل في كسب نتيجة النزاع لصالحها .
إن الموقف الإيراني الرسمي في هذا النزاع إنما هو إنعكاس لنمو الشعور القومي لدى الشعب الإيراني الذي أصبح يرى في مسألة الجزر تعبيراً عن هوية مهددة من قبل الدول العربية .
وهناك تفسير آخر لرفض جمهورية إيران الإسلامية عرض النزاع على التحكيم الدولي يقول : أنه لا يجوز عرض النزاع بين شخصين مسلمين على قاض غير مسلم ، كمحكمة العدل الدولية في تشكيلها الحالي ، فهل سوف تنتظر إيران حتى يتم تشكيل محكمة العدل الدولية الإسلامية ؟! والواقع أنه إذا كان الحل عن طريق اللجوء إلى محكمة العدل الدولية قد اعتبر من قبل إيران طريقاً مسدوداً ومنهجاً مرفوضاً للأسباب التي قدمناها ، فإنه لا يبقى إلا احتمالين أحدهما مستبعد وهو : أن يتفجر النزاع ويتحول إلى صراع مسلح تحاول الإمارات فيه أن تستعيد بالقوة ما أخذ منها بالقوة ، الاحتمال الثاني هو التفاوض المباشر بين الدولتين من أجل الوصول إلى حل سلمي للأزمة ، وهو ما يبدو لنا الاحتمال الأقوى والأكثر واقعية .
إن استبعاد احتمال الصراع والقبول بمبدأ التسوية يدفع بكل من الإمارات وإيران نحو مائدة التفاوض والحوار ، ولكن في المقابل يجب أن يضع الطرفان باعتبارهما أنه لا توجد مفاوضات بدون تقديم تنازلات متبادلة للوصول إلى الحل الذي قد لا يكون الأمثل .
وأخيراً ... يمكن القول أن الإمارات لا تزال تأمل في تسوية ودية تتراوح بين التسوية السياسية والتسوية القضائية وتأمل ألا تتأثر العلاقات بين الدولتين بشكل خطير بسبب هذه الأزمة ، في الوقت الذي يتخذ مجلس التعاون موقفاً حازماً قوامه تأييد موقف الإمارات وإفهام ذلك لإيران .
الملاحق
الملحق رقم (1)نص خطاب المقيم السياسي البريطاني والقنصل العام في بوشهرالمؤرخ في 11 مايو 1931محول شروط حاكم رأس الخيمة لتأجير جزيرة طنب إلى / الحكومة الفارسية(1)--------------11 مايو 1931م من /القنصل العام بيسكو إلى حكومة الهند بوشهر سيدي ..،استمراراً لبرقيتي المؤرخة في 23 إبريل 1931م بشأن تأجير جزيرة طنب من قبل حاكم رأس الخيمة للحكومة الفارسية ، أتشرف بأن أرسل لكم صورة من التصريح والبيان الذي أدلى به حاكم رأس الخيمة إلى رئاسة الخليج موضحاً الشروط التي بموجبها سيكون مستعداً لتأجير الجزيرة إلى الفرس .
كما توقعت فإن الشروط التي وضعها الشيخ لتأجير جزيرته صارمة وشاملة إذ سوف تكون الجزيرة عديمة القيمة في ظلها عند تأجيرها من قبل الفرس ، وخاصة الشرط الثالث . وأشار الشيخ في حديثه مع وكيل دار الاعتماد البريطانية بأنه يصر على هذا الشرط خوفاً من وضع الفرس لسفنهم البحرية في جزيرة طنب والقيام بعمليات تفتيش واسعة بحثاً عن زوارق العرب التي تبحر في تلك المنطقة . وإنه يعتقد بأن ذلك سوف لا يزعج جماعته فحسب بل يورطه في مشاكل مع زملائه من الشيوخ . ونظراً لأن هذه الشروط متعددة ومفصلة وإن محادثات عقد المعاهدة العامة تمر في فترة مرتبكة سأقوم بإرسالها بالبريد الجوي بدلاً من إبراقها . المخلصالمقدم ايج . في . بيسكوالمقيم السياسي في الخليج الفارسي
بيان يتضمن الشروط المطلوبة من قبل حاكم رأس الخيمة :1 - يبقى علمي ، العلم القاسمي ، مرفوعاً على الجزيرة كالسابق . 2 - سوف لا يكون المواطنين في الجزيرة خاضعين للسلطات العليا أو للاضطهاد ولا يمكن تطبيق الأوامر بحقهم لحين إحالتها لي ومناقشتها معي . 3 - لا يجوز للسفن التابعة للحكومة الفارسية ، والتي تقوم بالتفتيش بالنيابة عن دوائر الجمارك ، المجيء إلى بحر عمان لتفتيش السفن والزوارق العربية سواء كانت تعود لمواطني أو لجيراننا من شيوخ الساحل المتصالح ، وأن يبقى البحر حراً للملاحة كما كان من قبل . وعند العثور على بضائع وسلع ممنوعة من قبل الحكومة الفارسية على سفن تعود ملكيتها لمواطني يتوجب عليها آنذاك إحالة الموضوع إلى الحكومة البريطانية لمناقشته معي بصدد السفينة وربانها . ولا يجوز للحكومة الفارسية إصدار أوامرها إلى السفينة مباشرة . 4 - إذا ما قام أحد الغواصين المدنيين التابعين لنا باللجوء إلى أحد الموظفين التابعين للحكومة الفارسية المقيمين في الجزيرة يتوجب على ذلك الموظف إعادته إلينا دون الرفض عندما أطلب منه ذلك . 5 - تعفى كافة البضائع والسلع التي يتم إدخالها إلى الجزيرة لمتطلباتي الشخصية من الرسوم وكذلك في حالة إستيراد سكان الجزيرة للمواد الغذائية لاستخدامهم الشخصي . 6 - يدفع بدل الإيجار السنوي لي مقدماً في بداية كل سنة . 7 - إذا ما قررت الحكومة الفارسية رفع العلم الفارسي على دوائرها فيجب رفع ذلك العلم على أعلى البناية وليس على أرض الجزيرة . 8 - يجب تنفيذ هذه الشروط بيني وبين الحكومة الفارسية تحت رعاية وإشراف الحكومة البريطانية .
الملحق رقم (2)بتاريخ 31 يناير 1955م أرسل وزير الخارجية البريطاني أنطوني إيدن خطاباً إلى وزير البحرية البريطاني يتضمن الحلول المقترحة للتوصل إلى حل المشكلة مع الحكومة الإيرانية حول المطالبة بجزر أبوموسى وطنب الكبرى والصغرى فكتب (2) : وزارة الخارجية لندن 31 يناير 1955م .إلى / وزير البحريةسيدي ،بناءً على التعليمات الصادرة من وزير الخارجية السير أنطوني إيدن يسرني أن أبلغكم بأنه يقوم في الوقت الحاضر بدراسة إمكانية التوصل إلى حل النزاعات الإقليمية في الخليج الفارسي مع الحكومة الإيرانية .
إن لجنة اللوردات في وزارة البحرية تعلم بأن إيران تطالب بجزر البحرين وطنب الكبرى والصغرى وأبوموسى . كما وأن حاكم الشارقة في الوقت نفسه يطالب بجزيرة صري بالرغم من أن القوات الإيرانية احتلتها منذ عدة سنوات مضت . وقد سببت هذه النزاعات إحراجاً للحكومة البريطانية منذ سبعين سنة مضت . ويري السير أنطوني إيدن بعض الفائدة من حل كافة النزاعات العالقة مع إيران إذا ما أمكن ذلك دون إلحاق الضرر بالمصالح البريطانية أو بمصالح حكام دول الخليج التي كانت تحت الحماية البريطانية . كما وأن هناك سبباً آخر لمحاولة التوصل إلى حل في هذا الوقت بالذات إذ أن وزير الخارجية الإيراني الحالي السيد انتظام رجل دولة بمواصفات جيدة غير عادية في تلك البلاد . إذ أنه أشار لسفير حكومة صاحبة الجلالة في طهران بأنه سيكون مسروراً للتنازل نهائياً عن المطالبة الإيرانية بالبحرين إذا ما تمكن من الحصول على تنازل بالمقابل يرضي إيران بهذا الحل السياسي ويجعله مقبولاً .
- إن الشكل الوحيد لمثل هذا الحل الذي يبدو للسير أنطوني إيدن بأنه يبعث على الأمل هو : (أ) قيام حاكم رأس الخيمة ببيع جزر طنب الكبرى والصغرى إلى إيران مقابل سعر يتم التفاوض عليه . (ب) تخلي حاكم الشارقة عن حقه الشرعي بالمطالبة بجزيرة صري . (ج) تتخلى إيران عن مطالبتها بجزر أبو موسى والبحرين إن أمكن ويبدو أن مثل هذا الحل أمر منطقي من الناحية الجغرافية حيث ستترك لإيران الجزر المتنازع عليها فقط التي تقع على مسافة قريبة من الساحل الإيراني .
وسيتم تنفيذ ذلك إذا ما كان الحكام راغبين في ذلك . - سوف يكون السير أنطوني إيدن مسروراً للاطلاع على وجهات نظر اللوردات بهذا الصدد . - كما أنه يرحب في الوقت نفسه بوجهات نظرهم حيال المقترح الذي طرحه وزير الخارجية الإيراني بصدد تحقيق بعض التعاون بين البحرية الملكية البريطانية والبحرية الإيرانية في "حراسة مياه الخليج الفارسي" . ولم يشرح السيد انتظام ما يعنيه من ذلك ويبدو أنه بالغ في المهمات التي تقوم بها البحرية الملكية البريطانية في الخليج .
وبهذا الصدد أرسل إليكم مقتطفاً من خطاب المقيم السياسي البريطاني في الخليج الفارسي مع مذكرة معدة بالتعاون مع دائرة خدمات الإنارة للخليج الفارسي . ويبدو من هذه التعليمات أنه لا مجال هناك لتحقيق هذه "الحراسة المشتركة" . ويعتقد السير أنطوني إيدن بأنه إذا ما تم التوصل إلى تحقيق التسوية الإقليمية مع إيران فإنه سوف لا يكون هناك أي سبب للاعتراض من قبل حكومة صاحب الجلالة وحكام دول الخليج على زيارات السفن الحربية الإيرانية وأنه بالإمكان قيام بعض التعاون الرمزي في حراسة الخليج لتحقيق رغبات وزير الخارجية الإيراني . وسيكون السير أنطوني إيدن مسروراً إذا ما درس اللوردات هذه القضية في ضوء ذلك . خادمكم المطيع ليزلي فراي
الملحق رقم (3)وفيما يلي ردود فعل حاكم الشارقة تجاه المقترحات التي طرحها عليه الوكيل السياسي البريطاني في الشارقة بصدد التنازل عن حقوقه في جزيرة صري (3) . الوكالة السياسية دول الساحل المتصالح دبي 25 مارس 1955م رقم 55/4/1041إلى / المقيم السياسي ، أف ، بي ، ريتشاردزدار الرئاسة البريطانيةالبحرينلقد ثبت أن التقويم الوارد بخطابي رقم 55/2/1041 بشأن موقف (الشيخ) صقر حاكم الشارقة حيال جزيرة صري لم يكن متفائلاً . ويقول الحاكم بأنه مستعد للتنازل عن صري إذا ما كان الإيرانيون مستعدين للتنازل عن مطالبتهم بأبوموسى . ويبدو أن صقر في الوقت الحاضر مسروراً بذلك ولم يشر إلى موضوع إحتمال التعويض المالي . وعاجلاً أو آجلاً سيسمع بأنه تمت مفاتحة حاكم رأس الخيمة حول الموضوع للتنازل عن جزيرة طنب مقابل التعويض بالمال إذ من المحتمل أن يتبدل موقفه آنذاك . نقلاً عن : د. وليد الأعظمي : مرجع سابق ، ص ص : 164 - 165 .- وعندما تمت مفاتحة صقر حاكم رأس الخيمة حول بيع الجزيرتين العائدتين له أظهر رغبته بالفكرة وقال بأنه مستعد للبيع . ثم غير رأيه وقال إنه يفضل تأجيرها . - وعندما تم الاستفسار منه عن الثمن الذي يطلبه أجاب (الشيخ) صقر بأنه لا يقبل بأقل من 50 مليون روبية كما وأنه يطلب ما يلي :( أ) الاحتفاظ بحقوقه النفطية والمعدنية في الجزيرة . (ب) الاحتفاظ بالفنار والسماح للصيادين التابعين له وللزوارق من إستخدام الجزيرة .(ج) إلغاء الرسوم الإيرانية على كافة رعاياه هناك . - فتم إخبار (الشيخ) صقر بأن الإيرانيين سيماطلون على السعر كما وأنهم سيجدون الشرط الوارد في (ج) غير معقول .وتم الاقتراح أخيراً على الشيخ لكي ينتظر رد فعل الإيرانيين تجاه مطالبه دون إلزام نفسه في الوقت الحاضر بأي التزام . - وبالرغم من صعوبة الشروط التي وضعها الحاكم إلا أنه أصبح هناك أمل ، بعد قبول فكرة البيع ، لتقديم عرض جيد يغري الحاكم إذا ما كان بالإمكان إقناع الإيرانيين لتقديم مثل ذلك العرض . وإنني أقترح بأنه في الوقت الذي نحجب فيه عن الإيرانيين معرفة الثمن الذي يطلبه (الشيخ) صقر فإننا مع ذلك نقول بأن هذا هو الثمن الذي يطلبه للتفاوض حول الموضوع بالرغم من أن قوله بأنه سعر عادل فيه شيء من المبالغة وقد يكون سعراً باهظاً . سي . أم . بيري . جوردون
الملحق رقم (4)قصة إيران مع البحريناعتمدنا على الوقائع التاريخية فسنجد بأن المطالبة الإيرانية بجزر البحرين كانت أكثر جدية من مطالبتها بالجزر الإماراتية الثلاث ، ويمكن اختصار ذلك بالشكل التالي : مطالبة إيران بالسيادة على البحرين ترتكز على واقع احتلالها للجزيرة في الفترة الواقعة ما بين عام 1622م وعام 1783م ، وفي عام 1783م استطاع تحالف قبائل العتوب العربية أن يطرد الإيرانيين من البحرين وقد استمر حكم أحفادهم ، آل خليفة للجزيرة حتى يومنا هذا .
وقد بدأت المطالبة الإيرانية الجدية بالبحرين في العقد الثالث من القرن الحالي وبالتحديد في 1927م عندما وقع الملك عبدالعزيز آل سعود معاهدة مع الحكومة البريطانية في جدة يتعهد فيها بالحفاظ على علاقات صداقة وسلام مع الكويت والبحرين وشيوخ قطر وإمارات ساحل عمان التي كانت تربطها ببريطانيا معاهدات خاصة ، وقد احتجت إيران لدى حكومة بريطانيا على ذكر البحرين في المعاهدة مدعية بأن البحرين هي ملكية إيرانية ويجب حذف ما ورد في المعاهدة من إشارة إليها .
ولم تكتف إيران بذلك بل قامت بإرسال نسخة من احتجاجها على الحكومة البريطانية إلى الأمين العام لعصبة الأمم مطالبة إياه بتوزيعها على أعضاء العصبة للاطلاع ، كما أنها عمدت منذ أوائل الخمسينات إلى فرض الجنسية الإيرانية على البحرينيين الذي يذهبون إلى إيران لزيارة الأماكن المقدسة الشيعية ، بل على كل بحريني يدخل إلى الأراضي الإيرانية .
وفي 11 نوفمبر 1957م اتخذت الحكومة الإيرانية قرار بضم البحرين إليها إدارياً وأسمتها "المقاطعة الرابعة عشرة" وكما هو الحال بالنسبة لجزر الإمارات الثلاث استمرت الحكومة البريطانية في رفض ادعاءات إيران بملكيتها للبحرين حتى نهاية الستينات عندما قررت الانسحاب من الخليج بنهاية 1971م ، وفي 1970م تمخضت المشاورات بين إيران وبريطانيا والولايات المتحدة عن إقناع شاه إيران بالتخلي عن مطالبته بالبحرين على أن يتم ذلك بشكل يحفظ ماء الوجه للامبراطور الإيراني ، وهكذا قامت بعثة تابعة للأمم المتحدة في السنة نفسها (1970م) بزيارة البحرين واستطلاع رأي البحرينيين في ما إذا كانوا يفضلون الاستقلال أو الانضمام إلى إيران ، وقد اختار الشعب البحريني الاستقلال طاوياً بذلك صفحة بغيضة من الخلاف بين العرب وإيران(4) .___________________________________
(1) Ibid, Enclosure 2 in No.1, Consul - General Biscoe to Government of India , Bushire 11 May 1931. نقلاً عن : د. وليد حمدي الأعظمي : "النزاع بين دولة الإمارات العربية وإيران حول جزر أبوموسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى في الوثائق البريطانية " ، دار الحكمة ، 1993م ، ص : 92 .
(2) F 0371/114640/ Fo to the secretary of the Admiralty , 31 January 1955. نقلاً عن : د. وليد الأعظمي : مرجع سابق ، ص ص : 162 - 165 .
(3) F 0371/144640 , Political Agency , Trucial States Dubai , 25 March 1955.
(4) د.على حميدان ، مقال سابق ، ص :12 .
منذ سنوات والنزاع بين دولة الإمارات وإيران على الجزر الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى يشد الباحثين من مختلف أنحاء العالم لعدة أسباب : فمنهم من يرى فيه انعكاساً لتقلبات السياسة الدولية ، ومنهم من يعتقد أنه ترجمة لنزاع تاريخي بين العرب والإيرانيين . وهناك أيضاً من يرى أن موضوع الجزر ما هو إلا ردة فعل لعوامل السياسة الداخلية في كل من إيران والعالم العربي . لكن الواقع أن مسألة الجزر تسترعى الاهتمام لأنها من النزاعات الحدودية القليلة الموثقة توثيقاً جيداً . فكلا الدولتين : الإمارات العربية المتحدة وإيران تستند إلى مصادر رئيسية هي عبارة عن مخطوطات ورسائل وخرائط يعود بعضها إلى أكثر من مئة سنة مما يجعل دراسة الموضوع وكأنه رحلة عبر تاريخ منطقة الخليج يكتشف المرء خلالها وقائع إقليمية ودولية كان لها تأثيرها في صنع تاريخ تلك المنطقة المهمة من العالم .
أهمية الدراسة
لا شك أن استمرار احتلال الجزر الثلاث من قبل إيران هو أهم البؤر التي تؤجج التوتر في المنطقة بين الحين والآخر ، وهذا هو بالتحديد ما دفعنا للقيام بدراسة موضوعية موثقة لهذه القضية الحساسة .وإذا كنا قد اخترنا هذا الوقت بالذات للكتابة عن موضوع الجزر الثلاث والتي احتلتها إيران في نوفمبر 1971م فذلك لأربعة اعتبارات هامة :1 - أن إيران وبكل المقاييس هي قوة عظمى في الخليج ولا يمكن الاستغناء عنها في أي إستراتيجية فعالة للمحافظة على الأمن والاستقرار بالمنطقة . ويبدو أن إيران - في الوقت الحاضر - تحاول إعادة النظر في الخريطة الأمنية لمنطقة الخليج .2 - أن الجغرافيا جعلت من التعاون بين إيران ودول الخليج العربية قدراً لا يمكن الإفلات منه بأي شكل من الأشكال . وقد ساهمت السياسة بنصيبها في هذا الاتجاه حين تمخضت الانتخابات الرئاسية الإيرانية في 23 مايو 1997م عن فوز الرئيس محمد خاتمي الذي اعتبر - في نظر معظم المحللين - بمثابة بداية مرحلة من تطور إيران من الثورة إلى الدولة . لقد أكدت الفترة الوجيزة من حكمه على صحة تصريحاته المبدئية من أن السياسة الخارجية لإيران ستركز على تحقيق الانفراج وإزالة التوتر في العلاقات مع الدول وخاصة دول الجوار العربية ... فإلى أين أدت هذه التوجهات ؟ هذا ما تثيره الدراسة في طرحها لأسلوب تعامل الحكم الجديد مع قضية الجزر الثلاث .3 - أن واقع الوجود العسكري الأمريكي بالمنطقة على إثر حرب الخليج الأخيرة قد فرض بحساسياته دوراً حتمياً لدول مجلس التعاون لتخفيف حدة التوتر في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية وإعادة فتح قنوات الاتصال بينهما ... وتقع قضية الجزر في صلب الموضوعات التي تقف عائقاً في سبيل هذا الانفراج في علاقة إيران بكل من الدول العربية والغربية معاً .4 - أن الموضوع برمته يحيط به الغموض ويحتاج إلى من يتصدى له بالتوضيح والشرح ... وقد آن الأوان لتقديم هذا التوضيح لقضية هي في الواقع شائكة ولها جذور من الماضي غير القريب .
مشكلة البحث
تسعى الباحثة إلى الإجابة عن مجموعة من الأسئلة الهامة التي أحاطت بالنزاع الإماراتي - الإيراني حول الجزر الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى) وهي : أولاً : ما هي الأهمية الجغرافية والاقتصادية والاستراتيجية للجزر الثلاث : أبوموسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى ؟ ويقدم الفصل الأول الإجابة على هذا السؤال المبدئي للمشكلة . ثانياً : ما هي أسباب النزاع حول الجزر الثلاث ؟ وما هي أبعاد المواقف المتباينة للأطراف ذات الصلة بالنزاع : دولة الإمارات العربية المتحدة ، جمهورية إيران الإسلامية ، المملكة المتحدة والدول ذات النفوذ بالمنطقة ؟ويجيب الفصل الثاني على هذا التساؤل الهام . ثالثاً : ما هي احتمالات الصراع والتسوية بين طرفي النزاع ؟ وما هي المخاطر التي يتمخض عنها إبقاء المشكلة بدون معالجة ؟ وقد تصدت الباحثة في الفصل الثالث بأسلوب تحليلي موضوعي للإجابة على هذا التساؤل الجوهري .
هدف الدراسة
إن هدف أي دراسة علمية هو محاولة الكشف عن الحقيقة ، والواقع أن قضية الجزر الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) هي موضوع - كما أسلفنا - يحيط به الغموض ويحتاج إلى توضيح وشرح كما أن الجدل الدائر بين مؤيدي الطرفان (الإمارات وإيران) قد تسبب في زيادة الغموض أكثر من توضيح أبعاد النزاع . لذا فقد هدفت الدراسة إلى تحقيق ما يلي : أولا : كشف حقيقة النزاع ، وتتبع أسبابه التاريخية استعانة بالوثائق الداعمة والمؤيدة . ثانيا : إلقاء الضوء على الدوافع الظاهرة والخفية التي أدت تفاعلاتها إلى خلق هذه المشكلة ، وتداعياتها منذ بدايتها حتى وقتنا الحاضر .
منهج الدراسة
تفرض طبيعة الموضوع السياسية حول السيادة على الجزر منهجاً للدراسة محايداً نستعين فيه بالوثائق والمحررات التي سمح بنشرها سواء من حكومات الدول المتنازعة أو الدولة المستعمرة (بريطانيا) ، ومن ناحية أخرى كان للتاريخ دوره في إضفاء طابع الدارسة المبني على عرض متسلسل للأحداث التي أدت الأزمة ... وكأن الاستقراء يتم في هذه الدارسة بعيون من سجلوا تاريخ المنطقة . أما الاستنباط فهو الركيزة الثانية للمنهج العلمي والذي استخدمته الباحثة للوصول إلى النتائج المنطقية دون تحيز أو إنحياز .
عناصر الدراسة
تتألف الدراسة من ثلاثة فصول كالآتي :
الفصل الأول : الجزر الثلاث ماهيتها وأهميتها : - جزيرة أبو موسى .- جزيرة طنب الكبرى .- جزيرة طنب الصغرى .
الفصل الثاني : تاريخ النزاع حول الجزر الثلاث : - جذور النزاع .- احتلال إيران للجزر ومذكرة التفاهم . - الموقف حول الجزر في الوقت الراهن .
الفصل الثالث : احتمالات الصراع والتسوية . - المبررات الإيرانية للسيطرة على الجزر . - المبررات الإماراتية في شأن ملكيتها للجزر الثلاث . - الوضع القانوني للجزر ومسألة التحكيم . - احتمالات الصراع والتسوية .
الفصل الأولالجزر الثلاث : ماهيتها وأهميتها
المقدمة : على الرغم من وقوع عدد من الموانئ الكبيرة والمدن التجارية على شواطئ الخليج العربي، إلا أن الجزر القائمة فيه وخاصة قبالة مدخله (جزيرتا طنب الكبرى وطنب الصغرى وجزيرة أبوموسي) تتمتع بميزات إستراتيجية مهمة مما جعل التركيز على احتوائها والسيطرة عليها هدفاً سعت إليه قوى عديدة في طليعتها إيران إضافة إلى القوى الغازية التي وفدت على المنطقة منذ العصور الماضية .
والجزر الثلاث بموقعها وأهميتها أشبه بالصمام الذي يشرف على الشريان المائي والملاحي الذي يمثله الخليج العربي المرتبط ببحر العرب والمحيط الهندي من جهة الشرق والبحر الأحمر من جهة الغرب .
وقد أثبتت الأحداث التي مرت بالمنطقة منذ السبعينات تزايد الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الخليج العربي ، وكذلك أظهرت هذه الأحداث حرص الدول الكبرى والدول الصناعية على وجه الخصوص بتوطيد علاقاتها بمنطقة الخليج العربي والعمل بكل السبل المتاحة للحفاظ على مصالحها فيها .
والخليج العربي بواقع الحال يمثل إلتقاءاً لطرق المواصلات البحرية لكل من آسيا وأفريقيا وأوروبا ، كما يمثل منطقة التقاء الطرق التجارية المختلفة بين هذه القارات . وتنبع الأهمية الكبرى للخليج وما يتضمنه من جزر من كونه يتحكم بتصدير النفط من مناطق إنتاجه في الدول المطلة عليه إلى الدول المستوردة في أوروبا وأمريكا واليابان . وتشير الإحصائيات إلى أن الولايات المتحدة تستورد من دول الخليج ما يزيد على 60% من احتياجاتها من النفط المستورد ، وتستورد اليابان80% وأوربا الغربية حوالي 50% من احتياجاتهما النفطية من الدول المطلة على الخليج العربي .
وفي دراسة لخبراء الاقتصاد والسياسة في مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية في جامعة جورج تاون الأمريكية أن 86% من صادرات نفط الشرق الأوسط تمر من مضيق هرمز بشواطئ الجزر الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى) ، وأن هذه النسبة تشكل نصف الطاقة التي تعتمد عليها صناعات العالم واقتصاده وحياته اليومية(1) .
ولقد انعكست الأهمية الاقتصادية للخليج العربي على أهميته الإستراتيجية والعسكرية مما حرك أساطيل الدول ذات المصالح البترولية والتجارية نحو الخليج في محاولات لإقامة قواعد عسكرية بالقرب من مدخله في المحيط الهندي وفي مواقع أخرى ذات صلة بالدول المطلة على الخليج العربي .
خصائص الجزر وأهميتها :قبل الدخول في تفاصيل حول أهمية كل من الجزر الثلاث يمكن إجمال المميزات التي تتيحها السيطرة على هذه الجزر وامتلاكها في النقاط الآتية : -1 - موقعها الإستراتيجي الممتاز في مدخل الخليج مما يجعلها تتحكم بحركة السير فيه ومن يسيطر على هذه الجزر يسيطر على مضيق هرمز ويسد منفذ الخليج للداخل والخارج . حيث
وصفت صحيفة لوموند الفرنسية هذه الجزر الثلاث بأنها : "جزر تتحكم في مدخل الخليج العربي"(2) .2 - قد تستعمل كمراكز للتجمع والوثوب على المناطق القريبة منها على الساحل العربي ، حيث تصلح لإقامة منشآت وقواعد عسكرية عليها .3 - تتوفر فيها المعادن وخاصة أكسيد الحديد الأحمر .4 - يتوفر فيها النفط .5 - تمر بهذه الجزر الممرات البحرية الصالحة للملاحة ولذلك يمكن أن تتحكم في التجارة والنقل .6 - قد تستخدم كموانئ لرسو السفن ومحطة للتزود بالوقود لأن المياه من حولها عميقة .7 - تتوفر بها المياه الصالحة للشرب مما يساعد على قيام الزراعة فيها ، كما يوجد بها بعض المراعي .8 - تقام عليها الفنارات لإرشاد السفن . 9 - يتوفر بالجزر مصائد أسماك ممتازة تحقق دخلاً طيباً للصيادين .
إن الجزر الثلاث لا تقل في أهميتها الإستراتيجية عن مدينة طنجة وجبل طارق في مدخل البحر الأبيض المتوسط ، وعن عدن في مدخل البحر الأحمر ، وإنها في هذه المكانة فقط تقف مشرفة على حركة المرور في الخليج وتتحكم فيها أيضاً . وسوف نستعرض أهمية الجزر الجغرافية والاقتصادية والاستراتيجية :
جزيرة أبوموسى : جزيرة صغيرة هادئة تقع عند مدخل الخليج العربي وتطل عليه تماماً كما يقف الحارس الأمين أمام خزائن الذهب الأسود .تبلغ مساحة الجزيرة نحو 35كم2 ، ويبلغ طولها حوالي 7كم وعرضها 5كم . وهي تبعد بمقدار 67كم عن الساحل الإيراني بينما لا يفصلها عن مدينة الشارقة سوى 43كم (أنظر الخريطة) . يتكون سطح الجزيرة من سهول رملية مغطاة بأعشاب وحشائش ترعى فيها الغزلان ، وتنتشر عليها التلال المنعزلة ، وأعلى منطقة تقع في منتصف الجزيرة ويبلغ ارتفاعها 110 أمتار وهي محاطة بمياه عميقة نسبياً مما يجعلها صالحة لرسو السفن .
توجد بالجزيرة عدة آبار للمياه العذبة حوالي (20بئر) ، وتنتشر فيها زراعة النخيل ، وهي مشهورة بصفة خاصة برواسب أو كسيد الحديد الأحمر المستعمل في صناعة الطلاء المانع للصدأ . وتقع مناجم أو كسيد الحديد الأحمر في الشمال الشرقي من الجزيرة ، وتمتلك شركة "صن فالي كولون كومباني أوف ويك" البريطانية المناجم وفق الامتياز الذي منحه إياها حاكم الشارقة . ومعروف أنه قد تم استغلال مناجم أو كسيد الحديد الأحمر لأول مرة في عام 1934م ، ثم أغلقت خلال سنوات الحرب العالمية الثانية من عام 1940م وحتى عام 1947م . وكانت الشركة تدفع 50 ألف روبية سنوياً لحاكم الشارقة مقابل حقوق التنقيب ، وكان إنتاج الأوكسيد الأحمر آنذاك حوالي 2500 طن في الموسم الجيد . وتعتبر نوعية الأوكسيد الأحمر المنتج من الجزيرة من الصنف النقي حيث لا يحتاج إلى تصفية كثيرة(3) . إلا أن أهمية الجزيرة بدأت في التزايد مع ظهور النفط بها ، حيث يوجد فيها ثلاثة آبار تقوم باستغلالها شركة "بتس" للنفط والتجارة (Butes Oil and Gas Co.) .
ولإيران بالجزيرة قاعدة عسكرية مجهزة بمروحيات وآليات عسكرية وزوارق سريعة أي ثكنة عسكرية متكاملة بالمعدات والأفراد ، كما أن لها مطارا ًومحطة لتوليد الكهرباء بطاقة 1.6 ميجاوات وبتكلفة قدرها 80 مليون دولار .
كان يقطن الجزيرة - حتى الاحتلال الإيراني لها في عام 1971م - حوالي 1000 نسمة تقريباً جميعهم من أصول عربية إلى جانب 60 عنصراً من العسكر الإيرانيين . ويذكر أحد الصحافيين الذين زاروا الجزيرة في أواخر عام 1979م أن الجزيرة كانت تنقسم فعلياً إلى مجتمعين : مجتمع عسكري إيراني ومجتمع مدني عربي وكان المسجد يضم الجميع من غير تمييز أو تفريق(4) .
ويشتغل بعض السكان المحليين في مناجم الحديد خلال أشهر الشتاء ، أما في موسم الصيف فيقومون بالصيد والملاحة ، ولكن أغلبهم يفضلون العمل في الصيد البحري لما يحققه هذا النشاط المنتج من دخل جيد حيث يبيعون ما يصيدونه إلى السفن العابرة للجزيرة ، كما يبيعون صيدهم في أسواق الشارقة ودبي ، وكانوا في مطلع الستينات يملكون حوالي 25 زورقاً للصيد انكمشت إلى عدد ضئيل جداً بعد عام 1992م بسبب الإجراءات الإيرانية التعسفية ضد سكان الجزيرة من العرب (أنظر الفصل الثاني من الدراسة) .
جزيرة طنب الكبرى : تقع هذه الجزيرة على بعد (31كم) جنوب غرب جزيرة قشم الإيرانية ، وتبعد عن إمارة رأس الخيمة حوالي (70كم) ، وكلمة طنب تعني في أصلها "التل" ، فهي جزيرة قليلة الارتفاع ، دائرية الشكل يبلغ طول قطرها 4كم ومساحتها حوالي 9كم2 .
وجزيرة طنب الكبرى تقع بعيداً نسبياً عن مدخل الخليج العربي كما أنها أقرب إلى الساحل الإيراني ، لذلك فهي تحتل مكانة هامة في الرؤية الاستراتيجية الإيرانية ، باعتبارها جزءاً من خط الدفاع الإيراني عند مدخل مضيق هرمز .
ونظراً لموقع الجزيرة على خط سير السفن الداخلة إلى الخليج وكذلك الخارجة منه وهي الخطوط الملاحية للسفن التجارية وناقلات البترول ، فقد قامت الحكومة البريطانية عام 1913م - بموافقة من حاكم رأس الخيمة آنذاك الشيخ سالم بن سلطان القاسمي - ببناء فنار على الجزيرة لإرشاد السفن . كما تتوفر بالجزيرة خامات غنية من الأوكسيد الأحمر ، وبعض آبار المياه العذبة التي تستخدم للشرب والزراعة ، كما تنتشر بها بعض أشجار النخيل . وقد سبق لحكومة رأس الخيمة أن وفرت للسكان (حوالي 200 نسمة) بعض المؤسسات الخدمية ، وينحدر سكان الجزيرة من قبائل جرير وتميم العربية ويمتهنون صيد الأسماك ، وقلة منهم اهتموا بالزراعة ورعاية الماشية .
وهي بالدرجة الأولى جزيرة ذات أهمية إستراتيجية أكثر منها اقتصادية وذلك لعمق المياه حولها وصلاحيتها لأن تكون ميناءاً تنطلق منه قوات الدولة التي تمتلك الجزيرة للسيطرة منها بسهولة على مدخل الخليج العربي .
جزيرة طنب الصغرى : تقع على بعد 8 أميال إلى الغرب من جزيرة طنب الكبرى ، مثلثة الشكل وارتفاعها حوالي 35 متر عن سطح البحر ، ويبلغ طولها ميل واحد وعرضها ثلاثة أرباع الميل . وهى جزيرة صخرية غير صالحة للسكن .
تلك هي الجزر الثلاث التي يتنازع السيادة عليها اليوم دولتان هما الإمارات العربية المتحدة وجمهورية إيران الإسلاميتان ... كلتاهما تدعيان حقوقاً لها سواء في الملكية أو السيادة على الجزر الثلاث ... وكلتاهما مصممتان على موقفيهما المتعارض . وقد مرت عشرات السنوات على هذا النزاع دون حسم أو اتفاق مروراً بمحطات اتسمت بالسخونة والاحتدام . وبينما أبدت دولة الإمارات المتحدة استعدادها للتفاوض أو التحكيم ، كان لجمهورية إيران موقفها شبه الثابت برفض التحكيم أو التفاوض .
فما هي قصة النزاع ؟ وكيف بدأ ؟ ومتى ؟ وما هي المراحل التي مرت بها مسألة السيادة على ذه الجزر ؟
هوامش الفصل الأول :
___________________________________
(1) أحمد جلال التدمري : "الجزر العربية الثلاث ، دراسة وثائقية " ، ص 57 .
(2) د. محمد رشيد الفيل : "الأهمية الاستراتيجية للخليج العربي" ، ذات السلاسل ، 1988م ، ص :209.
(3) أحمد جلال التدمري ، مرجع سابق ، ص : 61 .
(4) شوقي رافع : "الثكنة الإيرانية في أبو موسى " ، صوت الكويت ، العدد الصادر في 15/9/1992م ، نقلاً عن وكالة الأنباء الكويتية (كونا تقرير إخباري) .
الفصل الثاني تاريخ النزاع حول الجزر الثلاث
يجمع المؤرخون الذين تطرقوا لموضوع الجزر الثلاث (أبوموسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى) بأن أول إدعاء إيراني بملكية هذه الجزر كان في سبتمبر 1887م حينما عادت إمارة لنجة الواقعة على الساحل الشرقي من الخليج العربي إلى السيادة الإيرانية ، وكانت تلك الإمارة تدار حتى هذا التاريخ بواسطة العرب القواسم حكام رأس الخيمة والشارقة .
ولابد للقارئ أن يتعرف باختصار على التاريخ المبكر لهذا الجزء من الخليج قبل المرور بمراحل النزاع الإماراتي الإيراني حول الجزر الثلاث .
جذور النزاع : يعتبر تاريخ الجزر الثلاث قبل عام 1750م غامضاً إلى حد بعيد فيما يتعلق بالسيادة عليها ، لكن من الواضح أن منطقة الخليج وخصوصاً على الجانب الإيراني كانت تعاني من حالة عدم الاستقرار ، مما شجع الكثير من العرب على ساحل الخليج العربي من السيطرة على بعض الأجزاء في الجانب الإيراني من الخليج ففي عام 1728م استولى عرب القواسم (التسمية التاريخية لعرب رأس الخيمة والشارقة) على "باسيدو" الواقعة على الساحل الإيراني ، وفي عام 1737م تعرضت رأس الخيمة لهجوم إيراني أخضع شيوخها العرب للهيمنة الفارسية ، لكن كل المصادر التاريخية تؤكد على أن هذا الخضوع لم يستمر طويلاً ، وأن فارس لم تحتفظ بأي سيطرة على رأس الخيمة .
وفي عام 1747م وإثر اغتيال الحاكم الإيراني نادر شاه فارس برزت عدة نزاعات داخلية في منطقة بندر عباس وهرمز على الساحل الإيراني ، مما دفع عرب القواسم في رأس الخيمة إلى إرسال قواتهم لمساعدة علي شاه (حاكم بندر عباس) . وقد استمر النزاع ثلاث سنوات سيطر من خلالها فرع من القواسم على لنجة واستقروا فيها . وظل عرب القواسم محتفظين بها حتى عام 1887م حين خلع الفرس آخر حاكم عربي في لنجة ، وكانت لنجة باستثناء عدد من السنين إمارة إيرانية تدار عربياً ، وأصبح شيوخها وبالتدريج رعايا فارسيين يحكمون لنجة نيابة عن حكومة فارس في طهران ويدفعون لها الضرائب (1) .
كانت لنجة مدينة مزدهرة ، ومركزاً تجارياً مهماً إلى أن دخلها الفرس وبدأت أولى محطات النزاع التاريخي على ملكية الجزر الثلاث .
علاقة الجزر بمدينة لنجة الإيرانية : بعدما استتب الأمر لصالح الجيش الإيراني في لنجة وأقيل حاكمها القاسمي وعين آخر إيراني مكانه ، انطلقت قوة مسلحة بمدفعين إلى جزيرة صري التي تقع على بعد 40 ميلاً إلى الغرب من جزيرة أبوموسى ، ورفعت عليها العلم الإيراني . اعتبر الشاه أن امتداد سلطة طهران إلى مدينة لنجة يستتبع بسط سلطتها على جزيرة صري كون تلك الجزيرة تتبع لنجة إدارياً . وأن كون حكام لنجة هم من العرب لا ينال من صحة اعتقاده بأنهم كانوا دائماً يحكمون المدينة الساحلية كممثلين للحكومة المركزية في طهران (2).في 28 إبريل 1888م طلب شاه إيران (ناصر الدين) في رسالة إلى السفير البريطاني أن تعترف بريطانيا بسيادة إيران على جزيرة أبوموسى . قال الشاه في ادعائه الأخير أنه طرد القواسم من لنجة وأن المدينة سوف تحكم مباشرة من طهران . ودعم الشاه طلبه بخريطة لمنطقة الخليج كانت البحرية البريطانية وضعتها قبل ذلك بسنتين تظهر فيها جزر الطنب وأبوموسى بألوان إيران . إلا أن الشاه وبخلاف تصرفه تجاه جزيرة صري ، لم يعمد إلى احتلال أبوموسى أو إلى رفع العلم الإيراني عليها . بل اكتفى برفع ادعائه إلى السفارة البريطانية في طهران التي كتبت إلى المفوضية البريطانية في بوشاير تستوضح الأمر ، وكان الرد أن طلب الشاه الجديد ليس له ما يبرره إطلاقاً(3) .
* في عام 1892م أبرمت بريطانيا معاهدة مع شيوخ المنطقة والتي التزمت بموجبها بالدفاع عن ممتلكاتهم من أي اعتداء خارجي ، ولم تغير بريطانيا من موقفها تجاه المطالب الإيرانية بالسيادة على الجزر الثلاث إلا في نهاية الستينات عندما أعلنت عام 1968 عن نيتها في الانسحاب من الخليج بنهاية عام 1971م ، حيث شرعت في القيام ببعض الترتيبات السرية منها وغير السرية لتمهيد الطريق أمام الولايات المتحدة الأمريكية للإسهام في ما سمي بملء الفراغ السياسي والعسكري الذي ستتركه في المنطقة بعد رحيلها (4) .
خلال الفترة الممتدة من 1892م وحتى تاريخ احتلال إيران العسكري للجزر في 1971م حدثت بعض الممارسات الإيرانية سعت فيها إيران لتأكيد سيطرتها على الجزر بشكل أو بآخر .
* في عام 1904م :قام مسؤولو الجمارك البلجيكيون العاملون لحساب السلطات الإيرانية بإنزال أعلام القواسم ورفع أعلام إيران مكانها ، مما أدى إلى تهديد بريطاني صريح باللجوء إلى القوات البحرية لإنزال أعلام إيران ، مما أجبر السلطات الإيرانية على إنزال أعلامها والانسحاب من الجزر في العام نفسه .
*في عام 1912م :طلبت بريطانيا إذنا من حاكم رأس الخيمة لتشييد منارة بحرية في جزيرة الطنب الكبرى ، مؤكدة أن وجود المنارة في الجزيرة سوف يثبت أكثر من أي وقت مضى حق القواسم في الجزيرة . وافق حاكم رأس الخيمة على تشييد المنارة لقاء إيجار سنوي .
*في عام 1923م :أعلنت إيران عن نيتها إثارة النزاع أمام عصبة الأمم ، والدافع لذلك الإعلان لم يكن سياسياً بل كان اقتصادياً بحتاً . وذلك أنه كانت هناك مناقشة على استخراج وتصدير أكسيد الحديد الأحمر بين شركة إيرانية كانت تعمل في هرموز ، وأخرى بريطانية كانت تعمل في جزيرة أبوموسى ، فكان أن طلبت الشركة الإيرانية من حكومتها إحياء ادعائها السيادة على جزيرة أبوموسى وربط ذلك بادعائها السيادة على البحرين ، ورفع الأمر إلى عصبة الأمم . وردت بريطانيا مذكرة الحكومة الإيرانية بموقفها الرافض الذي اتخذته عام 1904م . (أنظر قضية إيران مع البحرين بالملحق رقم 4) .
* في عام 1925م :عادت المسألة إلى الظهور في خريف هذا العام حين أرسلت سلطات الجمارك الإيرانية زورقاً إلى أبوموسى لفحص الأكسيد الأحمر ونقل كيس منه إلى إيران ، وكان الرد البريطاني حاسماً حين أبلغ ممثلها في طهران الحكومة الإيرانية بأن الإصرار على ادعائها بملكية الجزر سيجعل من الضروري الطلب إلى حكومة الهند (حيث كانت مستعمرة بريطانية) أن ترسل سفينة حربية إلى أبوموسى للحفاظ على حقوق شيخ الشارقة فيها ، مما أدى إلى توقف إجراءات سلطات الجمارك الإيرانية .
والواقع أن الساحة الإيرانية قد شهدت في عام 1925م تغييراً جذرياً استدعى إعادة تقويم للعلاقات الإيرانية - البريطانية . ففي إيران كانت سنة 1909م بداية النهاية لحكم عائلة "القجر" حين اضطر الشاه آنذاك وتحت وطأة ثورة شعبية عارمة للتخلي عن الحكم لصالح ابنه القاصر والفرار إلى روسيا . وفي عام 1925م ظهر رضا خان الذي كان أحد ضباط فرقة الكوزاك وقام بانقلاب عين على أثره رئيساً للوزراء ، ثم توج شاهاً يوم 31 أكتوبر 1925م باسم رضاه شاه بهلوي (وبلهوي هو اسم اللغة التي كان يستخدمها حكام إيران في مخاطباتهم الرسمية قبل الفتح الإسلامي لبلاد فارس) . وقد عمل الشاه الجديد على تقليص نفوذ السلطات الروحية في البلاد عن طريق نشر مبادئ تحض على الولاء للوطن والعائلة الحاكمة . ومن أجل إيجاد روح قومية وتعزيزها رفع الشاه شعار محاربة النفوذ البريطاني الذي رأى فيه الأساس في متاعب إيران السياسية والاقتصادية ، ساعد على هذا التوجه تراجع النفوذ الروسي في إيران على أثر الثورة الشيوعية عام 1917م والتي أعلنت إلغاء كل الامتيازات التي حصل عليها قبل ثورة القياصرة الروس في إيران .
وفي ضوء هذه التغيرات الجذرية على الساحة الإيرانية شرعت بريطانيا وإيران في المفاوضات حول إيجاد صيغة جديدة في العلاقات بينهما بما في ذلك مسألة الجزر الثلاث(5) .
* في عام 1930م :عرضت إيران فكرة تخليها عن المطالبة بجزيرة أبوموسى لقاء تأكيد سيادتها على جزيرة طنب الكبرى وطنب الصغرى . وأجابت الحكومة البريطانية بأنها لا يمكنها إعطاء بلاد فارس جزيرة لا تملكها بريطانيا ، وهنا عرضت إيران أن تستأجر حكومتها جزيرة طنب الكبرى لقاء مبلغ من المال يدفع لحاكم رأس الخيمة مباشرة . ورفع السفير البريطاني العرض الإيراني إلى حكومته التي أوصت بعرض الأمر على حاكم رأس الخيمة مع بذل أقصى جهد لإقناعه بالموافقة (لاسيما وأن بريطانيا كانت لها مصلحة في موافقة القواسم على هذا العرض حيث ربطت بين موضوع تأجير جزيرة الطنب لإيران لفترة خمسين عاماً بموافقة إيران على تأجير منشآت بحرية عسكرية لبريطانيا في الخليج العربي للفترة ذاتها) .
وبتاريخ 11 مارس 1931م أبرق المقيم البريطاني في الخليج إلى حكومة الهند ما أجاب به سلطان بن سالم القاسمي حاكم رأس الخيمة (أنظر الملحق رقم 1) . وضع الشيخ ثمانية شروط من أجل منح موافقته للعرض الإيراني باستئجار جزيرة طنب الكبرى .
وبدى واضحاً من شروط حاكم رأس الخيمة أنه غير مستعد للتنازل عن سيادته على جزيرة طنب الكبرى لقاء أي ثمن وانتهت المفاوضات البريطانية الإيرانية عند هذا الحد وتوقفت نهائياً عام 1933م .
* في عام 1934م :بتاريخ 29 ديسمبر 1934م أمر حاكم رأس الخيمة بإنزال علمه المرفوع على جزيرة طنب الكبرى ، وسحب عماله هناك ، وكردة فعل على هذا التصرف غير المفهوم آنذاك أصدر القائد العام للقوات البحرية البريطانية أوامره للسفينة الحربية (سلوب) بالبقاء في جزيرة طنب لحين صدور تعليمات أخرى .
ويبدو أن حاكم رأس الخيمة قد أنزل علمه ليجلب انتباه السلطات البريطانية بأنه لم يتسلم إيجار الفنار أسوة بما يتسلمه حاكم الشارقة من إيجار للقاعدة الجوية البريطانية الكائنة في أبي موسى .
وانتهى الأمر بأن تم إعادة رفع العلم بتاريخ 10 إبريل 1935م بضغط بريطاني على حاكم رأس الخيمة .
* في عام 1935م : قام عدد من المسئولين الإيرانيين بزيارة لطنب الكبرى وأبوموسى مما أدى لقيام طائرات سلاح الجو البريطاني بطلعات استكشافية فوق الجزر استمرت لأسابيع .
بعد هذا التاريخ بدأ النزاع يأخذ منحى آخر تمثل في تبدل اللهجة البريطانية إزاء هذه المسألة ، وذلك بعد تغير الظروف السياسية في المنطقة ، والتراجع الاستراتيجي الذي لحق بها بعد الحرب العالمية الثانية وبروز أهمية منطقة الخليج فيما يتعلق بأهمية استمرار تدفق النفط ، وبعدها الدور الذي لعبته إيران كشرطي للمنطقة ، كل هذه المستجدات أدت إلى أن يكون لبريطانيا مواقف متغيرة عما كان عليه الحال بالنسبة لعلاقتها لطرفي النزاع وعلى النحو الذي سوف يتضح بعد .
* في عام 1955م :حاولت بريطانيا أن ترعى اتفاقا تعترف الشارقة بمقتضاه بالسيادة الإيرانية على صري ، مقابل اعتراف إيران بملكية الشارقة لأبوموسى ، واستعداد رأس الخيمة لبيع جزيرة طنب لإيران ، إلا أن المحاولة فشلت ولم يكتب لها النجاح ، لقد فضل الشيخ صقر حاكم الشارقة آنذاك تأجير الجزيرتين بدلاً من بيعهما لكنه طلب إيجاراً باهظاً كما كانت له شروطه وأهمها : أ ) الاحتفاظ بحقوقه النفطية والمعدنية في الجزيرة . ب) الاحتفاظ بالفنار والسماح للصيادين التابعين له وللزوارق من استخدام الجزيرة . ج) إلغاء الرسوم الإيرانية على كافة رعاياه هناك (أنظر الملحق رقم 2،3) (6) .
* في أغسطس 1961م :نزلت طائرة مروحية إيرانية على جزيرة طنب الكبرى ، وقام ملاحوها بالتقاط الصور الفوتوغرافية للفنار والأبنية المجاورة له وسألوا عن أسماء وجنسية الأشخاص الذين يديرون الفنار .
وكان الرد البريطاني واضحاً حاسماً لصالح حاكم رأس الخيمة وذلك في مذكرة احتجاج أرسلها السفير البريطاني في طهران إلى وزارة الخارجية البريطانية جاء فيها : " تم إصدار التعليمات إلى السفارة لجلب انتباه السلطات الإيرانية إلى حقيقة أن هذه الجزيرة هي جزء من إمارة رأس الخيمة . ويدين سكانها بالولاء إلى صاحب السمو حاكم رأس الخيمة الذي يقوم بتعيين وكيلاً له في الجزيرة ، وعلمه مرفوع عليها. وتدير رأس الخيمة الجزيرة منذ عام 1887م ويمارس حاكم تلك الدولة سيادته عليها منذ عام 1921م عندما أصبحت رأس الخيمة مستقلة عن الشارقة (7) .
* في عام 1968م :أعلنت بريطانيا عن نيتها في الانسحاب من الخليج بنهاية 1971م ، وشرعت بالقيام ببعض الترتيبات السرية منها وغير السرية لملء الفراغ السياسي والعسكري الذي ستتركه في المنطقة بعد رحيلها .
احتلال إيران للجزر ومذكرة التفاهم : لم تكد معاهدة الحماية التي ربطت بين بريطانيا وأمراء الساحل الجنوبي العربي للخليج تنتهي حتى استولت القوات الإيرانية على جزر طنب وجزء من أبوموسى . وكان حاكم الشارقة قد أعلن قبل يوم واحد من استيلاء إيران على الجزر أي في 29 نوفمبر عام 1971م أنه اضطر إلى التوصل إلى ترتيب مع إيران للتشارك في السيادة على جزيرة أبوموسى في مواجهة التهديد الصريح بالاستيلاء على الجزيرة في حالة عدم قبوله .
والحقيقة إنه لم يكن هناك أي خيار أمام حاكم الشارقة سوى الرضوخ للمطالب الإيرانية ، وخاصة بعدما أوضحت له الحكومة البريطانية بصراحة أنها عاجزة عن الدفاع عن الجزيرة في مواجهة التحركات الإيرانية إذا لم يمكن التوصل لترتيبات محددة قبل حلول موعد رحيلها عن الخليج .
ويلاحظ أن الذي ناقش الصيغة النهائية لتلك المذكرة هو السير ويليام لويس آخر مقيم بريطاني في المنطقة ، ولكن وعلى الجانب الآخر وفيما يخص جزر طنب فلم يرضخ حاكم رأس الخيمة للمطالب الإيرانية مما أدى إلى استيلاء إيران عليها في 30 نوفمبر 1971م حيث تم إجلاء 120 مواطناً من القواسم إلى رأس الخيمة . ومما يجدر ذكره أن الاستيلاء الإيراني على جزر طنب قد تم ورأس الخيمة تحت الحماية البريطانية .
وفيما يلي نص مذكرة التفاهم بين إيران والشارقة الموقعة من الشيخ خالد بن محمد القاسمي في 29/11/1971م :مع الأخذ في الاعتبار أن كلا من إيران والشارقة قد لا تعتزم التنازل عن مطالبها في أبوموسى ولا الاعتراف بمطالب الأخرى ، سوف يتم تنفيذ المطالب التالية : 1 - سوف تصل قوات إيرانية إلى أبوموسى ، وسوف تحتل مواقع اتفق على تحديدها وفقاً للخريطة المرفقة بهذه المذكرة .2 - أ ) سوف تكون لإيران السلطة الكاملة داخل المناطق التي سوف تحتلها قواتها وفقاً للمتفق عليه ، كما سيرفع فيها العلم الإيراني . ب) سوف تحتفظ الشارقة بالسلطة الكاملة على باقي أراضي الجزيرة ، وسيظل علمها مرفوعاً على مركز الشرطة التابع لها لنفس الأسس التي سيرفع فيها العلم الإيراني على مقرات قواتها بالجزيرة .3 - تعترف كل من إيران والشارقة بامتداد المياه الإقليمية للجزيرة لمسافة 12 ميلاً بحرياً . 4 - تواصل شركة (Butes Gas Oil Company) استغلال الموارد النفطية في أرض الجزيرة ومياهها الإقليمية ، وما تحت قاع البحر في المياه الإقليمية وفقاً للاتفاق الحالي مع الشارقة ، والذي يجب أن توافق عليه إيران ، على أن تدفع نصف الحصة الحكومية من عائدات النفط المستخرج وفقاً لهذا الاتفاق إلى إيران مباشرة ، وتدفع النصف الآخر للشارقة .5 - سوف يتمتع مواطنو إيران والشارقة بحقوق متساوية في الصيد في المياه الإقليمية لأبوموسى .6 - سوف يتم التوقيع على اتفاق للمساعدات المالية بين إيران والشارقة (8) .
لقد وجد الشاه في احتلال الجزر مجالاً ليس فقط لعرض قدراته العسكرية ، بل الأهم من ذلك ، إظهار نفسه أمام الدول العربية في مظهر صاحب السلطة والقوة في منطقة الشرق الأوسط مدعوما من الدول الغربية وإسرائيل . ومن ناحية أخرى ، جاء احتلال الجزر كمكافأة قدمتها الدول الغربية للشاه لتخليه عن أطماعه في البحرين .
جاءت الثورة الإيرانية عام 1979م لتطيح بالشاه محمد رضا بهلوي ولترفع الشعارات المعادية للإمبراطورية والصهيونية ومناصرة "المستضعفين في الأرض" ، الأمر الذي بعث الأمل في نفوس الخليجيين ودعاهم للتفاؤل بقرب انتهاء كابوس الأطماع الإيرانية في المنطقة بانتهاج النظام الإيراني الجديد سياسة تقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير . إلا أن الثورة الإيرانية لم تكتف بالإطاحة بنظام الشاه السابق بل تبنت مبدأ تصدير الثورة ونذرت نفسها لأداء دور عالمي أيديولوجي وسياسي ، وكانت حركات "الإسلام السياسي" في البلاد العربية والإسلامية هي القوة المحلية الضاربة التي اعتمدتها إيران في إستراتيجيتها لتصدير الثورة . كما أن قيادة الثورة الخمينية حذت حذو الشاه الراحل في التمسك بالجزر متسلحة بنفس الحجج التي تسلح بها النظام الإمبراطوري السابق .
لقد انتهى النشاط العسكري الإيراني باحتلال جزر أبوموسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى في 30/11/1971م قبل يوم فقط من الانسحاب البريطاني من الخليج . ولعل تصرف الشاه هذا أراد منه تحقيق الأهداف التالية(9) :
1 - التأكيد للولايات المتحدة على مقدرة القوات الإيرانية على استخدام التقنية العسكرية العالية ومقدرة الشاه على التحرك في الخليج . 2 - التأكيد للعرب على دور إيران كقوة رادعة . 3 - وضع اليد على جزر تعتبر بموقعها الاستراتيجي نقطة تحكم وسيطرة على مضيق هرمز والخليج بأكمله .* في منتصف السبعينات بنى الإيرانيون ميناءاً على الجزء المخصص لهم من أبوموسى وكان قرار الشارقة بعدم بناء ميناء في جزئها من الجزيرة سبباً في أن يستخدم مواطنيها الميناء الإيراني وأن يتعرضوا لإجراءات الدخول الإيرانية .
* في الثمانينات قامت إيران ببرنامج تطويري لأبى موسى تضمن إنشاء مطار وإقامة منشآت جديدة أو القيام بعمليات التجديد . وقام الإيرانيون عام 1987م بالزحف على الجزء الجنوبي من أبوموسى الواقع تحت سلطة الشارقة إثر أنباء عن محاولة انقلاب داخل الأسرة الحاكمة في الشارقة ، ولسبب ما لم يتم الانقلاب المذكور ، وحين اكتشف الإيرانيون ذلك كانوا قد أنزلوا علم الشارقة بالفعل لكنهم أسرعوا بإعادة رفعه والعودة إلى مواقعهم . ولكن منذ ذلك الوقت اتخذت الدوريات العسكرية الإيرانية داخل المناطق الخاضعة للشارقة شكلاً منتظماً ومتكرراً . وبعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية ، قام الإيرانيون ببناء مدرج للطائرات يمتد داخل الجزء المخصص للشارقة .
* لم تجذب تلك الأحداث الأنظار إليها وذلك بسبب الأحداث الكبيرة التي وقعت في الخليج من الحرب العراقية الإيرانية وما تلاها من غزو عراقي في الكويت . لكن المسألة عادت إلى دائرة الأحداث مرة أخرى أواخر عام 1991م ، عندما طالبت إيران رعايا الدول الأخرى باستخراج تصاريح أمنية إيرانية ، وحين رفضت الإمارات هذا الطلب قامت السلطات الإيرانية بطرد الخبراء الأجانب من الجزيرة في إبريل 1992م .
وتفاقمت الأزمة في أكتوبر 1992م حين منعت إيران عودة المدرسين للمدرسة المحلية الواقعة تحت سلطة الشارقة - وكلهم من جنسيات عربية مختلفة - من العودة إلى الجزيرة ، مما اعتبر خرقاً فاضحاً لمذكرة التفاهم ، ثم أعادتهم للجزيرة في 11 نوفمبر 1992م .
وضع الراهن للجزر : الواقع أن دولة الإمارات لم تسلم بالاحتلال الإيراني لجزر طنب وسيادتها على أبوموسى ، وإن كانت تستوعب أنها لن تستطيع بمفردها استعادة حقوقها بالقوة ، لكنها لم تتخلى في أي وقت من الأوقات عن حقها في استعادة الجزر .
وأمام تصلب موقف إيران وتمسكها بالجزر الثلاث ورفضها لأي مفاوضات حول هذا الشأن وصلت المساعي المبذولة إلى طريق مسدود ، الأمر الذي دفع المسؤولين في الإمارات العربية إلى طرح موقف جديد محدد يتمثل في المطالبة باللجوء إلى محكمة العدل الدولية للبت في النزاع . وقد عبر الشيخ زايد رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ، عن هذا الموقف بكلمات بسيطة معبرة : "إذا قدمنا براهيننا وقدموا براهينهم للتحكيم فهذا هو الذي سيقرر الصحيح والباطل منها ، اقصد بذلك اللجوء إلى محكمة العدل الدولية" ، وقد أيدت جميع الدول العربية هذا الموقف كما أيدته معظم دول العالم حتى تلك التي يرتبط بعضها بروابط وثيقة مع إيران (10) .
ويبقى الباب مفتوحاً أمام قضية لم تحسم ونزاع لم يتوصل أطرافه إلى حل ... فما هي احتمالات الصراع ؟ وما هي احتمالات التسوية ؟
هوامش الفصل الثاني :___________________________________
(1) بعد القضاء على إمارة لنجة في عام 1887م انتقلت إدارة طنب إلى رأس الخيمة بينما ارتبطت أبوموسى بالشارقة ، واستمرت هذه الإدارة المنفصلة عندما توحدت الشارقة ورأس الخيمة مرة أخرى وبصورة مؤقتة خلال الفترة (1900م- 1921م) وإنفصلنا مرة أخرى بعد ذلك إذ أصبحت أبوموسى تابعة لحاكم الشارقة ، وطنب تابعة لحاكم رأس الخيمة الشيخ سلطان بن سالم القاسمي . أنظر عبدالله عبدالرحمن : "النزاع الإيراني الإماراتي حول الجزر الثلاث: ، العرب اليوم ، العدد الصادر في 1/3/1998م ، ص : 8 .
(2) باسم عجمي : "تاريخ الصراع على الجزر الثلاث " ، الحياة ، العدد الصادر في 23/3/1997م ، ص : 18 .
(3) جدير بالذكر أنه بخلاف جزر الطنب وصري ، لم تكن تربط أبوموسى أي علاقة بمدينة لنجة ، بل كانت الجزيرة تدار مباشرة من قبل قواسم الشارقة ، وبالتالي فإن مد سيطرة طهران إلى المدينة الساحلية لم يشكل مبرراً قانونياً لإدعاء السيادة الإيرانية على تلك الجزيرة .
(4) أنظر : على حميدان : "من الإمبراطورية الشاهنشاهية إلى الجمهورية الإسلامية - الإمارات وإيران والجزر الثلاث ، الشرق الأوسط ، العدد 6774 الصادر في 15/6/1997م ، ص : 21 .والكاتب إماراتي شغل عدة مناصب ديبلوماسية وكان سفيراً لبلاده في الأمم المتحدة عندما احتلت إيران الجزر الثلاث في نوفمبر 1971م .
(5) باسم عجمي ، مرجع سابق ، ص :18 .
(6) أنظر للاطلاع على وثائق أكثر تفصيلاً : د.وليد حمدي الأعظمي ، د. عبداللطيف الخاجة : "النزاع بين دولة الإمارات العربية وإيران حول جزر أبوموسى وطنب الكبرى والصغرى في الوثائق البريطانية " دار الحكمة 1993م .
(7) د. وليد الأعظمي ، مرجع سابق ، ص : 175 .
(8) اتفق على أن تدفع إيران (1.5 مليون) جنيه إسترليني للشارقة إلى حين وصول دخل الشارقة إلى ثلاثة ملايين جنية إسترليني سنوياً . أنظر : عبدالله عبدالرحمن : "النزاع الإيراني الإماراتي حول الجزر الثلاث" / مقال سابق .
(9) د. محمد رشيد الفيل : "الأهمية الاستراتيجية للخليج العربي" ، مرجع سابق ، ص :197 .
(10) د. علي حميدان " "بين الامبراطورية الشاهنشاهية والجمهورية الإسلامية" ، مرجع سابق ، ص "16 .
الفصل الثالثالنزاع الإماراتي الإيراني حول الجزر الثلاث
"احتمالات الصراع والتسوية"من التسلسل التاريخي الذي قدمناه في الفصل الثاني يتضح لنا أن هناك لكل من دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية إيران الإسلامية مبرراتهما للاستحواذ على الجزر الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى) . كما أن هناك موقف متلون سياسياً للدول العظمى ذات المصالح الحيوية في المنطقة مثل بريطانيا سابقاً ثم الولايات المتحدة اليوم .
وفيما يلي نعرض تحليلاً للمبررات والمواقف التي اتخذتها الأطراف المعنية بهذا الصراع .
الخاتمة
النزاع حول الجزر هو من النزاعات الحدودية القليلة الموثقة توثيقاً جيداً . ومما لا شك فيه أن الاحتلال الإيراني للجزر الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى) منذ نوفمبر 1971م هو من أهم البؤر التي تؤجج التوتر في المنطقة بين الحين والآخر .
إن أهمية الجزر الثلاث ترجع إلى حقيقة منطقية مؤداها أن الذي يسيطر على الجزر يمكنه التحكم في الخليج العربي ، وأن الذي يتحكم في الخليج فقد تحكم في شريان مائي وملاحي هام يربط بين كل من آسيا وأفريقيا وأوروبا . إن الأهمية الكبرى للخليج وما به من جزر تنبع من كونه الموقع الذي تستورد عن طريقه الولايات المتحدة وأوروبا واليابان أكثر من 60% من احتياجاتها من النفط المستورد من الدول المطلة على الخليج وبصفة عامة تمر 86% من صادرات نفط الشرق الأوسط عبر مضيق هرمز بشواطئ الجزر الثلاث ، وهو ما يعادل نصف الطاقة التي تعتمد عليها صناعات العالم واقتصاده وحياته اليومية .
وهذه الجزر التي تتحكم في مدخل الخليج العربي بموقعها الاستراتيجي الهام تتمتع بمزايا أخرى عسكرية واقتصادية لا تقل أهمية .. فهي محط أنظار الدول ذات المصالح لمحاولة إقامة القواعد العسكرية عليها ، كما أنها صالحة كموانئ لرسو السفن ومحطات للتزود بالوقود والمياه ، إضافة إلى أن بها ثروات نفطية ومعدنية (أكسيد الحديد الأحمر) لا يستهان بها ، وأخيراً فإن مصائد الأسماك بها تحقق دخلاً طيباً للصيادين . ولم تتوقف إيران منذ عام 1892م وحتى تاريخ احتلالها للجزر عسكرياً في 30/11/1971م عن الممارسات المتعددة في محاولة منها لتأكيد سيطرتها على تلك الجزر بشكل أو بآخر (كما قامت بنفس المحاولات مع البحرين من قبل) .
وقد اتضح لنا - خلال الدراسة - أن إيران قد عززت موقفها في الجزر الثلاث على مدى التسعينات سواء بمنعها موظفي دولة الإمارات من دخولها إلا بتصريح من السلطات الإيرانية أو فرضها قيود على دخول وخروج السكان ، فضلاً عن قيامها بتعزيز وجودها العسكري في جزيرة أبوموسى وتعيين حاكم عسكري لها بشكل يعني -بطريقة غير مباشرة - حسم موضوع السيادة عليها من جانب واحد دون مراعاة لما ورد في اتفاقيتها مع حاكم الشارقة التي وقعتها في 29/11/1971م (أي قبل يوم واحد من دخول القوات العسكرية الإيرانية إلى الجزيرة في 30/11/1971م) .
ويبدو أن إيران قد اتخذت إجراءاتها في الفترة الأخيرة على أساس مواقف أمنية مبالغ فيها ، إذ اعتقدت أن الوجود الأمريكي المكثف إبان حرب الخليج الثانية وبعدها سينتهي إلى القيام بعملية عسكرية ضد إيران ، وبالتحديد تمكين الإمارات من استعادة تلك الجزر بالقوة وهو ما ثبت مع الوقت أنه غير صحيح .
على الجانب الآخر ترفض دولة الإمارات العربية المتحدة العدوان الإيراني وتستنكره ، بإعتبار أن الاحتلال العسكري للجزر يعد خرقاً لمبادئ وأحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة (رقم 2625 الصادر في 1970م في شأن التعاون بين الدول ، ورقم 3314 الصادر في 1974م في شأن تعريف العدوان) . كما أن للإمارات مبرراتها القوية من النواحي القانونية والسياسية والتاريخية التي تؤكد على حقها الأصيل في السيادة على الجزر (أنظر المبحث الثاني في الفصل الثاني) .
وإزاء إصرار الجانب الإيراني على رفض مناقشة إنهاء الاحتلال العسكري لجزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى ورفضه كذلك اقتراح دولة الإمارات إحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية فقد بات من المتعذر -حتى الآن- إحراز أي تقدم عبر المفاوضات الثنائية مع البلدين .
أما عن موقف الدول الغربية الكبرى التي كانت لها السيطرة في منطقة الخليج فقد لوحظ أنه وقبل بروز الولايات المتحدة ، كدولة عظمى ذات نفوذ في الخليج ، كانت بريطانيا هي القوة الأولى في المنطقة ، وبالتالي كانت هي المرجع الأساس للخلافات فيها . وهكذا ، فإن أي بحث جدي للنزاع على الجزر كان ولابد أن يعتمد بشكل أساسي على الوثائق البريطانية كمرجع أولي للتدقيق في أصل الخلاف وتطوره على مدى أكثر من 100 سنة .
وقد تبين للباحثة أن الوجود البريطاني في الخليج كان يتلون ويتغير وفقاً لتغير المصالح البريطانية ، وأنه من المؤكد أن نفس معيار المصالح هو الذي يحكم الوجود الأمريكي في المنطقة منذ قيام الولايات المتحدة بسد الفراغ الذي خلفه الانسحاب البريطاني من الخليج في نوفمبر 1971م .
إن بريطانيا التي استمرت في رفض الادعاءات الإيرانية بالسيادة على الجزر الثلاث والتي عقدت مع شيوخ المنطقة معاهدة 1892م للدفاع عن ممتلكاتها ، بريطانيا هي نفسها التي شرعت في عام 1968م بالقيام ببعض الترتيبات السرية منها وغير السرية لملء الفراغ السياسي والعسكري الذي سوف يخلفه انسحابها من الخليج بنهاية 1971م . ولقد اتضح لنا من تصريحات السير جيفري آرثر الذي كان يشغل منصب المعتمد البريطاني في الخليج إبان احتلال إيران للجزر الثلاث أن بريطانيا هي التي أعطت الضوء الأخضر للشاه لاحتلال الجزر الإماراتية تعويضاً له عن تخليه عن البحرين وإنطلاقاً من قناعتها وقناعة الولايات المتحدة بأن إيران الشاهنشاهية هي القوة المنشودة آنذاك للمحافظة على مصالح الغرب في المنطقة .
وحتى اليوم - ولأسباب إستراتيجية واقتصادية - لم يصدر عن الولايات المتحدة أي تصريحات تشير إلى اتخاذها موقفاً رسمياً في شأن الخلاف الإيراني الإماراتي حول الجزر ، مفضلة -في الوقت الحاضر- علاقاتها الخليجية على علاقاتها مع إيران ... وسوف يستمر هذا الموقف حتى مجيء الوقت الذي تتبدل فيه المؤشرات في بورصة المصالح الدولية .
إن الجانب القانوني في الدارسة قد بين بجلاء أن السيادة الفعلية على الجزر الثلاث ترجع إلى دولة الإمارات (إمارتي الشارقة ورأس الخيمة) ذلك أن الاستيلاء (ويقصد به -قانوناً- إدخال دولة من الدول في حيازتها المادية إقليمياً غير مملوك لدولة ما بقصد بسط سيادتها عليه) هو السبيل الذي حصلت به إمارتي الشارقة ورأس الخيمة على الجزر الثلاث منذ العام 1750م وحتى العام 1971م من دون معارضة فعلية من السلطات الإيرانية وقد تعددت مظاهر تلك السيادة التي مارستها الإمارتين على الجزر الثلاث خلال هذه الحقبة الطويلة من الزمن مثل : رفع علم الإمارات على الجزر الثلاث وإدارة المرافق العامة ، واستيفاء الرسوم الجمركية ... وغيرها إضافة إلى منح الامتيازات واستغلال الموارد الطبيعية .
وعلى الرغم من تكرار دعوة الإمارات العربية المتحدة لاستعدادها وقبولها مبدأ التحكيم الدولي للبت في هذا النزاع (أي بالعرض على محكمة العدل الدولية) ، وتعهدها صراحة بعدم منازعة قرار التحكيم والتقيد به ، فإن الموقف الإيراني ظل رافضاً تماماً لفكرة التحكيم الدولي . ولا يعني ذلك أن إيران لا تملك الحجة ، أو أن موقفها ضعيف ، ولكن إيران التي تملك على الأقل خرائط صادرة عن البحرية البريطانية عام 1887م تظهر الجزر المتنازع عليها بألوان إيرانية ، ترفض لأسباب أخرى غير الفشل في كسب نتيجة النزاع لصالحها .
إن الموقف الإيراني الرسمي في هذا النزاع إنما هو إنعكاس لنمو الشعور القومي لدى الشعب الإيراني الذي أصبح يرى في مسألة الجزر تعبيراً عن هوية مهددة من قبل الدول العربية .
وهناك تفسير آخر لرفض جمهورية إيران الإسلامية عرض النزاع على التحكيم الدولي يقول : أنه لا يجوز عرض النزاع بين شخصين مسلمين على قاض غير مسلم ، كمحكمة العدل الدولية في تشكيلها الحالي ، فهل سوف تنتظر إيران حتى يتم تشكيل محكمة العدل الدولية الإسلامية ؟! والواقع أنه إذا كان الحل عن طريق اللجوء إلى محكمة العدل الدولية قد اعتبر من قبل إيران طريقاً مسدوداً ومنهجاً مرفوضاً للأسباب التي قدمناها ، فإنه لا يبقى إلا احتمالين أحدهما مستبعد وهو : أن يتفجر النزاع ويتحول إلى صراع مسلح تحاول الإمارات فيه أن تستعيد بالقوة ما أخذ منها بالقوة ، الاحتمال الثاني هو التفاوض المباشر بين الدولتين من أجل الوصول إلى حل سلمي للأزمة ، وهو ما يبدو لنا الاحتمال الأقوى والأكثر واقعية .
إن استبعاد احتمال الصراع والقبول بمبدأ التسوية يدفع بكل من الإمارات وإيران نحو مائدة التفاوض والحوار ، ولكن في المقابل يجب أن يضع الطرفان باعتبارهما أنه لا توجد مفاوضات بدون تقديم تنازلات متبادلة للوصول إلى الحل الذي قد لا يكون الأمثل .
وأخيراً ... يمكن القول أن الإمارات لا تزال تأمل في تسوية ودية تتراوح بين التسوية السياسية والتسوية القضائية وتأمل ألا تتأثر العلاقات بين الدولتين بشكل خطير بسبب هذه الأزمة ، في الوقت الذي يتخذ مجلس التعاون موقفاً حازماً قوامه تأييد موقف الإمارات وإفهام ذلك لإيران .
الملاحق
الملحق رقم (1)نص خطاب المقيم السياسي البريطاني والقنصل العام في بوشهرالمؤرخ في 11 مايو 1931محول شروط حاكم رأس الخيمة لتأجير جزيرة طنب إلى / الحكومة الفارسية(1)--------------11 مايو 1931م من /القنصل العام بيسكو إلى حكومة الهند بوشهر سيدي ..،استمراراً لبرقيتي المؤرخة في 23 إبريل 1931م بشأن تأجير جزيرة طنب من قبل حاكم رأس الخيمة للحكومة الفارسية ، أتشرف بأن أرسل لكم صورة من التصريح والبيان الذي أدلى به حاكم رأس الخيمة إلى رئاسة الخليج موضحاً الشروط التي بموجبها سيكون مستعداً لتأجير الجزيرة إلى الفرس .
كما توقعت فإن الشروط التي وضعها الشيخ لتأجير جزيرته صارمة وشاملة إذ سوف تكون الجزيرة عديمة القيمة في ظلها عند تأجيرها من قبل الفرس ، وخاصة الشرط الثالث . وأشار الشيخ في حديثه مع وكيل دار الاعتماد البريطانية بأنه يصر على هذا الشرط خوفاً من وضع الفرس لسفنهم البحرية في جزيرة طنب والقيام بعمليات تفتيش واسعة بحثاً عن زوارق العرب التي تبحر في تلك المنطقة . وإنه يعتقد بأن ذلك سوف لا يزعج جماعته فحسب بل يورطه في مشاكل مع زملائه من الشيوخ . ونظراً لأن هذه الشروط متعددة ومفصلة وإن محادثات عقد المعاهدة العامة تمر في فترة مرتبكة سأقوم بإرسالها بالبريد الجوي بدلاً من إبراقها . المخلصالمقدم ايج . في . بيسكوالمقيم السياسي في الخليج الفارسي
بيان يتضمن الشروط المطلوبة من قبل حاكم رأس الخيمة :1 - يبقى علمي ، العلم القاسمي ، مرفوعاً على الجزيرة كالسابق . 2 - سوف لا يكون المواطنين في الجزيرة خاضعين للسلطات العليا أو للاضطهاد ولا يمكن تطبيق الأوامر بحقهم لحين إحالتها لي ومناقشتها معي . 3 - لا يجوز للسفن التابعة للحكومة الفارسية ، والتي تقوم بالتفتيش بالنيابة عن دوائر الجمارك ، المجيء إلى بحر عمان لتفتيش السفن والزوارق العربية سواء كانت تعود لمواطني أو لجيراننا من شيوخ الساحل المتصالح ، وأن يبقى البحر حراً للملاحة كما كان من قبل . وعند العثور على بضائع وسلع ممنوعة من قبل الحكومة الفارسية على سفن تعود ملكيتها لمواطني يتوجب عليها آنذاك إحالة الموضوع إلى الحكومة البريطانية لمناقشته معي بصدد السفينة وربانها . ولا يجوز للحكومة الفارسية إصدار أوامرها إلى السفينة مباشرة . 4 - إذا ما قام أحد الغواصين المدنيين التابعين لنا باللجوء إلى أحد الموظفين التابعين للحكومة الفارسية المقيمين في الجزيرة يتوجب على ذلك الموظف إعادته إلينا دون الرفض عندما أطلب منه ذلك . 5 - تعفى كافة البضائع والسلع التي يتم إدخالها إلى الجزيرة لمتطلباتي الشخصية من الرسوم وكذلك في حالة إستيراد سكان الجزيرة للمواد الغذائية لاستخدامهم الشخصي . 6 - يدفع بدل الإيجار السنوي لي مقدماً في بداية كل سنة . 7 - إذا ما قررت الحكومة الفارسية رفع العلم الفارسي على دوائرها فيجب رفع ذلك العلم على أعلى البناية وليس على أرض الجزيرة . 8 - يجب تنفيذ هذه الشروط بيني وبين الحكومة الفارسية تحت رعاية وإشراف الحكومة البريطانية .
الملحق رقم (2)بتاريخ 31 يناير 1955م أرسل وزير الخارجية البريطاني أنطوني إيدن خطاباً إلى وزير البحرية البريطاني يتضمن الحلول المقترحة للتوصل إلى حل المشكلة مع الحكومة الإيرانية حول المطالبة بجزر أبوموسى وطنب الكبرى والصغرى فكتب (2) : وزارة الخارجية لندن 31 يناير 1955م .إلى / وزير البحريةسيدي ،بناءً على التعليمات الصادرة من وزير الخارجية السير أنطوني إيدن يسرني أن أبلغكم بأنه يقوم في الوقت الحاضر بدراسة إمكانية التوصل إلى حل النزاعات الإقليمية في الخليج الفارسي مع الحكومة الإيرانية .
إن لجنة اللوردات في وزارة البحرية تعلم بأن إيران تطالب بجزر البحرين وطنب الكبرى والصغرى وأبوموسى . كما وأن حاكم الشارقة في الوقت نفسه يطالب بجزيرة صري بالرغم من أن القوات الإيرانية احتلتها منذ عدة سنوات مضت . وقد سببت هذه النزاعات إحراجاً للحكومة البريطانية منذ سبعين سنة مضت . ويري السير أنطوني إيدن بعض الفائدة من حل كافة النزاعات العالقة مع إيران إذا ما أمكن ذلك دون إلحاق الضرر بالمصالح البريطانية أو بمصالح حكام دول الخليج التي كانت تحت الحماية البريطانية . كما وأن هناك سبباً آخر لمحاولة التوصل إلى حل في هذا الوقت بالذات إذ أن وزير الخارجية الإيراني الحالي السيد انتظام رجل دولة بمواصفات جيدة غير عادية في تلك البلاد . إذ أنه أشار لسفير حكومة صاحبة الجلالة في طهران بأنه سيكون مسروراً للتنازل نهائياً عن المطالبة الإيرانية بالبحرين إذا ما تمكن من الحصول على تنازل بالمقابل يرضي إيران بهذا الحل السياسي ويجعله مقبولاً .
- إن الشكل الوحيد لمثل هذا الحل الذي يبدو للسير أنطوني إيدن بأنه يبعث على الأمل هو : (أ) قيام حاكم رأس الخيمة ببيع جزر طنب الكبرى والصغرى إلى إيران مقابل سعر يتم التفاوض عليه . (ب) تخلي حاكم الشارقة عن حقه الشرعي بالمطالبة بجزيرة صري . (ج) تتخلى إيران عن مطالبتها بجزر أبو موسى والبحرين إن أمكن ويبدو أن مثل هذا الحل أمر منطقي من الناحية الجغرافية حيث ستترك لإيران الجزر المتنازع عليها فقط التي تقع على مسافة قريبة من الساحل الإيراني .
وسيتم تنفيذ ذلك إذا ما كان الحكام راغبين في ذلك . - سوف يكون السير أنطوني إيدن مسروراً للاطلاع على وجهات نظر اللوردات بهذا الصدد . - كما أنه يرحب في الوقت نفسه بوجهات نظرهم حيال المقترح الذي طرحه وزير الخارجية الإيراني بصدد تحقيق بعض التعاون بين البحرية الملكية البريطانية والبحرية الإيرانية في "حراسة مياه الخليج الفارسي" . ولم يشرح السيد انتظام ما يعنيه من ذلك ويبدو أنه بالغ في المهمات التي تقوم بها البحرية الملكية البريطانية في الخليج .
وبهذا الصدد أرسل إليكم مقتطفاً من خطاب المقيم السياسي البريطاني في الخليج الفارسي مع مذكرة معدة بالتعاون مع دائرة خدمات الإنارة للخليج الفارسي . ويبدو من هذه التعليمات أنه لا مجال هناك لتحقيق هذه "الحراسة المشتركة" . ويعتقد السير أنطوني إيدن بأنه إذا ما تم التوصل إلى تحقيق التسوية الإقليمية مع إيران فإنه سوف لا يكون هناك أي سبب للاعتراض من قبل حكومة صاحب الجلالة وحكام دول الخليج على زيارات السفن الحربية الإيرانية وأنه بالإمكان قيام بعض التعاون الرمزي في حراسة الخليج لتحقيق رغبات وزير الخارجية الإيراني . وسيكون السير أنطوني إيدن مسروراً إذا ما درس اللوردات هذه القضية في ضوء ذلك . خادمكم المطيع ليزلي فراي
الملحق رقم (3)وفيما يلي ردود فعل حاكم الشارقة تجاه المقترحات التي طرحها عليه الوكيل السياسي البريطاني في الشارقة بصدد التنازل عن حقوقه في جزيرة صري (3) . الوكالة السياسية دول الساحل المتصالح دبي 25 مارس 1955م رقم 55/4/1041إلى / المقيم السياسي ، أف ، بي ، ريتشاردزدار الرئاسة البريطانيةالبحرينلقد ثبت أن التقويم الوارد بخطابي رقم 55/2/1041 بشأن موقف (الشيخ) صقر حاكم الشارقة حيال جزيرة صري لم يكن متفائلاً . ويقول الحاكم بأنه مستعد للتنازل عن صري إذا ما كان الإيرانيون مستعدين للتنازل عن مطالبتهم بأبوموسى . ويبدو أن صقر في الوقت الحاضر مسروراً بذلك ولم يشر إلى موضوع إحتمال التعويض المالي . وعاجلاً أو آجلاً سيسمع بأنه تمت مفاتحة حاكم رأس الخيمة حول الموضوع للتنازل عن جزيرة طنب مقابل التعويض بالمال إذ من المحتمل أن يتبدل موقفه آنذاك . نقلاً عن : د. وليد الأعظمي : مرجع سابق ، ص ص : 164 - 165 .- وعندما تمت مفاتحة صقر حاكم رأس الخيمة حول بيع الجزيرتين العائدتين له أظهر رغبته بالفكرة وقال بأنه مستعد للبيع . ثم غير رأيه وقال إنه يفضل تأجيرها . - وعندما تم الاستفسار منه عن الثمن الذي يطلبه أجاب (الشيخ) صقر بأنه لا يقبل بأقل من 50 مليون روبية كما وأنه يطلب ما يلي :( أ) الاحتفاظ بحقوقه النفطية والمعدنية في الجزيرة . (ب) الاحتفاظ بالفنار والسماح للصيادين التابعين له وللزوارق من إستخدام الجزيرة .(ج) إلغاء الرسوم الإيرانية على كافة رعاياه هناك . - فتم إخبار (الشيخ) صقر بأن الإيرانيين سيماطلون على السعر كما وأنهم سيجدون الشرط الوارد في (ج) غير معقول .وتم الاقتراح أخيراً على الشيخ لكي ينتظر رد فعل الإيرانيين تجاه مطالبه دون إلزام نفسه في الوقت الحاضر بأي التزام . - وبالرغم من صعوبة الشروط التي وضعها الحاكم إلا أنه أصبح هناك أمل ، بعد قبول فكرة البيع ، لتقديم عرض جيد يغري الحاكم إذا ما كان بالإمكان إقناع الإيرانيين لتقديم مثل ذلك العرض . وإنني أقترح بأنه في الوقت الذي نحجب فيه عن الإيرانيين معرفة الثمن الذي يطلبه (الشيخ) صقر فإننا مع ذلك نقول بأن هذا هو الثمن الذي يطلبه للتفاوض حول الموضوع بالرغم من أن قوله بأنه سعر عادل فيه شيء من المبالغة وقد يكون سعراً باهظاً . سي . أم . بيري . جوردون
الملحق رقم (4)قصة إيران مع البحريناعتمدنا على الوقائع التاريخية فسنجد بأن المطالبة الإيرانية بجزر البحرين كانت أكثر جدية من مطالبتها بالجزر الإماراتية الثلاث ، ويمكن اختصار ذلك بالشكل التالي : مطالبة إيران بالسيادة على البحرين ترتكز على واقع احتلالها للجزيرة في الفترة الواقعة ما بين عام 1622م وعام 1783م ، وفي عام 1783م استطاع تحالف قبائل العتوب العربية أن يطرد الإيرانيين من البحرين وقد استمر حكم أحفادهم ، آل خليفة للجزيرة حتى يومنا هذا .
وقد بدأت المطالبة الإيرانية الجدية بالبحرين في العقد الثالث من القرن الحالي وبالتحديد في 1927م عندما وقع الملك عبدالعزيز آل سعود معاهدة مع الحكومة البريطانية في جدة يتعهد فيها بالحفاظ على علاقات صداقة وسلام مع الكويت والبحرين وشيوخ قطر وإمارات ساحل عمان التي كانت تربطها ببريطانيا معاهدات خاصة ، وقد احتجت إيران لدى حكومة بريطانيا على ذكر البحرين في المعاهدة مدعية بأن البحرين هي ملكية إيرانية ويجب حذف ما ورد في المعاهدة من إشارة إليها .
ولم تكتف إيران بذلك بل قامت بإرسال نسخة من احتجاجها على الحكومة البريطانية إلى الأمين العام لعصبة الأمم مطالبة إياه بتوزيعها على أعضاء العصبة للاطلاع ، كما أنها عمدت منذ أوائل الخمسينات إلى فرض الجنسية الإيرانية على البحرينيين الذي يذهبون إلى إيران لزيارة الأماكن المقدسة الشيعية ، بل على كل بحريني يدخل إلى الأراضي الإيرانية .
وفي 11 نوفمبر 1957م اتخذت الحكومة الإيرانية قرار بضم البحرين إليها إدارياً وأسمتها "المقاطعة الرابعة عشرة" وكما هو الحال بالنسبة لجزر الإمارات الثلاث استمرت الحكومة البريطانية في رفض ادعاءات إيران بملكيتها للبحرين حتى نهاية الستينات عندما قررت الانسحاب من الخليج بنهاية 1971م ، وفي 1970م تمخضت المشاورات بين إيران وبريطانيا والولايات المتحدة عن إقناع شاه إيران بالتخلي عن مطالبته بالبحرين على أن يتم ذلك بشكل يحفظ ماء الوجه للامبراطور الإيراني ، وهكذا قامت بعثة تابعة للأمم المتحدة في السنة نفسها (1970م) بزيارة البحرين واستطلاع رأي البحرينيين في ما إذا كانوا يفضلون الاستقلال أو الانضمام إلى إيران ، وقد اختار الشعب البحريني الاستقلال طاوياً بذلك صفحة بغيضة من الخلاف بين العرب وإيران(4) .___________________________________
(1) Ibid, Enclosure 2 in No.1, Consul - General Biscoe to Government of India , Bushire 11 May 1931. نقلاً عن : د. وليد حمدي الأعظمي : "النزاع بين دولة الإمارات العربية وإيران حول جزر أبوموسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى في الوثائق البريطانية " ، دار الحكمة ، 1993م ، ص : 92 .
(2) F 0371/114640/ Fo to the secretary of the Admiralty , 31 January 1955. نقلاً عن : د. وليد الأعظمي : مرجع سابق ، ص ص : 162 - 165 .
(3) F 0371/144640 , Political Agency , Trucial States Dubai , 25 March 1955.
(4) د.على حميدان ، مقال سابق ، ص :12 .